يحكى عن حاكم عرف بحِلمه وصبره وحنكته في القيادة والحكمة والكرم، فشاع خبره في مملكته وبين البلدان حتى تعاهد صديقان على اغاضته فإن نجح أحدهما وهب أحدهما للآخر عشرة من أغنامه.
عزمّ الصديق بالتوجه إلى دار الحاكم ليدخل مجلسه قائلاً: سبحان الذي أعزك وجعلك سلطانا بعدما كنت أجيرا تعمل في السوق.
فأجابه الحاكم: الحمد لله الذي رزقني الحكمة والعلم والصبر فأصبحت على ما أنا عليه.
فرد قائلا: أتذكر كيف كانت ثيابك بالية وأنت تقطن في بيت متهالك بالكاد سقفه يحميك من حر الصيف وبرد الشتاء.
فقال: أذكر ولن أنسى ما مررت به، من نسي ماضيه سيطغي في حاضره ولن يأبه لحال رعيته من عامة الناس.
فقال الأعرابي: أتذكر أمك بائعة الخبز وأباك راعي الأغنام سبحان من أعزك وأجلسك على كرسي الحكام.
اعتدل الحاكم بمجلسه ثم قال: لي الفخر بذلك باعت الخبز ولم تبع ضميرها أو دينها، ولا عيب بالعمل فقد كان الرسول الاكرم محمد الأمين راعي غنم وأصبح نبيا للأمة، إنما العمل عبادة، وما اعتليت كرسي الحكم إلا لأنكم وجدتموني أهلا لذلك.
طأطأ الرجل رأسه باستحياء ثم قص عليه ما دار بينه وبين رفيقه فأكرمه وانصرف من مجلسه.
تسرد لنا هذه القصة جانبا من التحلي بالحِلم والصبر ليس فقط على ما يصيبنا من ابتلاء إلهي في محطات حياتنا سواء في المرض أو نقص في الأموال أو الذرية وما غيرها، بل حتى على اساءة الناس الينا مهما بلغت ذروتهم من أذية ونكران للمعروف فكل اناء ينضح بما فيه، فمن أساء إلينا بالأمس سيرد الله له الاساءة يوما، مهما بلغت الأيام من الصبر عتيا.
فالحلم هو سيد الفضائل وهو صفة من صفات الله سبحانه وتعالى إذ وصف نفسه بها فقال (واعلموا أن الله غفور حليم) والحليم تدل على التحلي بالحِلم وهو بالمفهوم المتعارف الصبر والحث على الدفع بالتي هي أحسن والترغيب في الصفح عن الأذى والعفو عن الاساءة، فلولا حلم الله سبحانه وتعالى على عباده لما ترك على ظهر الأرض من دابة.
نأمل أن لا نخرج من دائرة الصبر ونمتلك صبرا كصبر الحاكم يعيننا على مواصلة الحياة بكل مطباتها بين أجناس البشر لنتحمل اساءة الآخرين بشتى أنواعها، لأننا نخوض صراعا في النوايا والمبادئ والقيم التي بدأت تتزعزع عن ركنها السامي وتتغير حتى أمست في الحضيض، ولا نعمم القول هذا على الجميع فكل امرئ يعرف قدر نفسه.
اضافةتعليق
التعليقات