النفس البشرية بطبيعتها تبحث عما تحب وتسعى للاقتراب منه او الحصول عليه بكل ما تملك من عزم، وتجتنب ما تكره وتعرض عنه وتفضل الابتعاد بل الهروب او التخلص منه بكل الامكانيات!.
هذه القاعدة تنطبق على الجميع بلا استثناء، انها امر بديهي، وهذا مما لا شك فيه، ولكن السؤال: لماذا تُطبق هذه القاعدة غالبًا بصورة فردية؟!
فالبعض بل الكثير لا يشعر بها تجاه الآخر حيث يقتصر الفرد بها على نفسه فقط
ولا يرى ان الآخرين هم مثله، يشبهونه ويشعرون بما يشعر!.
قدم لنا مولانا امير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" من القواعد والاقوال روائع خالدة يستلهم منها الانسان طرق الحفاظ على السلم والمؤاخاة والتصافي في سبيل الانطلاق الى ميادين الانسانية الرحبة، حيث ترك لنا "عليه السلام" تراث من الحكمة وفيض من العلم والمعرفة، وما كان علينا سوى ان نعمل بها لنسموا ونرتقي لعيش حياة كريمة نتشارك فيها مع ابناء جنسنا..
فقد جاء في بعضٍ من وصيته لولده الامام الحسن "عليه السلام": (يا بني، اجعل نفسك ميزانا فيما بينك وبين غيرك، فأحبب لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها، ولا تظلم كما لا تحب أن تظلم، وأحسن كما تحب أن يحسن اليك، وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك،
ولا تقل ما لا تعلم، ولا كل ما تعلم، ولا تقل ما لاتحب أن يقال لك..
ومن هنا نرى عظمة الخُلق لدى امامنا (ع) حيث انه يوصي ولده الامام المعصوم بهذه الوصايا التي يتمتع بها ولده الحسن كريم اهل البيت، وجميع آل بيته عليهم السلام اصلًا، ولكنه اكد عليها وذكرها كوصية لولده حتى تُحفظ وتُكتب وتُعَلم لتكون درسًا عظيمًا يتعلمه الناس عامة لينير لهم طريقهم في الحياة الدنيا..
أن تحب لأخيك الانسان ما تحبه لنفسك، يعني ان تتمنى له الخير مثلما تتمناه لنفسك، فعندما تراه قد تنعم بالخير ورُزق بما يُريد؛ وقتها عليك ان تذكر الله وتقول: ما شاء الله فإن هذا كله من فضل الله، وترجوا له دوامه وتفرح لفرحه وتدعوا ربك بأن يرزقك كما رزقه..
وان تكره له ما تكره لنفسك، يعني ان تشعر به، ان تتفهم موقفه وتضع نفسك مكانه فهل ستقبل ان تُظلَم مثله؟
وهل ترضى لنفسك السوء مثلما ترضاه له؟ تصور نفسك بدلًا منه هل تتقبل سماع ما لا تُحِب أن يُقال لك او يقول احدهم عنك ما لم يعلم او كل ما يعلم؟!
فهل تحب ان يُحسن اليك على كل حال ؟ اذن عليك ان تحسن للناس كما تحب ان يحسن اليك..
يقول مدير معهد العلاقات الإنسانية الأهلي في نيويورك (جيمس بندر): "القاعدة الأُولى التي وصفها الحكماء هي تلك التي تمثّلت في القول الخالد: "أحبب لأخيك ما تحبّ لنفسك"، فهو يصدّر بها لائحة القواعد التي تساعد على اجتذاب الناس، ويعتبرها الخطوة الأُولى والمهمّة في الطريق إلى "الشخصية الجذّابة".
كل فرد منا يود ان يصبح شخصية جذابة، يحب ان يكون موضع ثقة، شخصًا واثقًا بنفسه، يحترمه الجميع ويقدرون مكانته، ولن يحصل ذلك إلا من خلال تطبيقه لهذه القاعدة الدستورية الجليلة، فعندما يجعل الانسان نفسه ميزانًا فيما بينه وبين غيره، فبطبعة الحال لن يرضى سوى العدل والمساواة، ولن يروقه إلا الخير والصلاح العام لمن حوله كما لنفسه..
إن كل انطلاقة جوهرية جادة نحو الخير والصلاح لا بد لها ان تبدأ من الذات، فعندما تسعى لإنصاف نفسك، لابد لك ان تشعر بالآخر لكونه انسان مثلك ولا يختلف عنك بشيء ولن يرتفع عنك بشيء سوى بالايمان والتقوى، فما أجمل ان تنافس أخيك بعمل الخير ونيل الرضا من رب العباد قبل العباد وبالتالي رضاك وعن نفسك..
عليك ان تنصف الجميع كما لو انهم انت! هل تستطيع ان تنظر الى غيرك بالعين التي تنظر بها الى نفسك، ان تقدم الحب والاحسان لمن تعرفه ومن لا تعرفه؟ أنت تستطيع ذلك وبكل لطف وعطف، فقط تخيل معي اي حياة سنحياها لو طبقنا ما اوصى به سيد البلغاء؛ ماذا لو شعر احدنا صدقًا بالآخر؟!.
اضافةتعليق
التعليقات