قال الله العلي العظيم في كتابه الكريم: [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ ] ١.
في كل عام يتم إحياء مناسبة شروق شمس الحرية والتحرير من الغزاة بفضل من الله عزو وجل، وبدأ هذا الشعب باستعادة حياته وترميم كل الكسور والجراحات. فيتم تذكرها لكي لا تنسى والحرص على تخليدها في ذاكرة التاريخ والأجيال القادمة تعبيراً عن الشكر لله على نعمة التحرير والأمن والأمان.
هل تعلمون كيف نشكر الله في بلادي؟
تمتلئ الشوارع بالجماهير المختلطة والمركبات وهي تصدح بالغناء ويتمايل الرجال والنساء بالرقص والهرج طول اليوم دون توقف.
نغرق الشوارع بالمياه العذبة والمعدنية أيضاً وذلك لملئ البالونات والمسدسات البلاستيكية لرش المارة والمركبات تعبيراً عن الفرح والسرور.
تتزين النساء وتتبرج بالألوان الزاهية والملابس العارية لتزاحم الرجال في المسيرات وتشارك الفرحة بالرقص والغناء وتعلو أصوات الضحك والمزاح مع الأجانب.
تزدحم قاعات الاحتفالات بليالي الطرب والرقص إلى الصباح الباكر مع أشهر المطربين في العالم وتصرف مبالغ طائلة خيالية لتلك الحفلات وتذاكر دخولها.
تقام الكرنفالات الضخمة التي تحتوي على فقرات من البهلوانات والراقصات والاستعراضات.
ولما لا ونحن جميعاً مجتمعين لمناسبة واحدة وهي الفرحة بالتحرير وشكر الله على تلك النعمة.!
نعم هكذا نرد احسان الله على نعمة الأمان، هكذا نشكر الله على زوال البلاء الذي أثكل أمهاتنا وقتل أبناءنا واستحيى نساءنا وهدم البيوت وشرد الآلاف وأزهق الأرواح البريئة وهتك كل ستر.
هكذا نحمد الله ونعبر عن شكرنا بالمعاصي والتلف والتبذير والاسراف والذنوب والجهر بما حرمه الله.!
أهكذا يكون التعبير عن الفرحة بالانتصار؟
منذ متى تكون السعادة بتلك البشاعة؟
ماذا لو حلّ غضب الله عزوجل وجل والعياذ بالله مرة أخرى ببلاء أعظم؟
ماذا لو عاقبنا كما عاقب غيرنا من الأمم السابقة كما يقول تعالى في استئصالهم [فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ]٢.
لماذا الجهر بالمعاصي والتشجيع عليها والاصرار؟
لماذا صرف المال في المحرمات شرعا مثل إستئجار الفاحشة والمغنية؟
لماذا الاقدام في أمر يجر إلى الظلم والعقاب والغضب وأمثال ذلك ومضاعفة المعصية وهي حرمة أصل العمل والأخرى الإسراف وصرف المال فيها وقد نهى الله عن ذلك قائلاً [ ولا تُبذِر تَبذيرا ]٣.
لماذا الاسراف والتفريط بآلاف الجالونات من المياه العذبة والمعدنية لمجرد رش المارة ومضايقة البشر في حين نرى هناك الآلاف من يموت من العطش والمجاعة!.
إن كان استعمال القليل من القطرات الزائدة للوضوء من الاسراف كما رُوِيَ عن الإمام جعفر الصادق (ع) أنهُ قَالَ: [إِنَّ لِلَّهِ مَلَكاً يَكْتُبُ سَرَفَ الْوَضُوءِ كَمَا يَكْتُبُ عُدْوَانَهُ]٤.
فما حكم من اشترى الماء لإهداره في الشوارع بدون هدف أو استفادة.
ماهي الغاية من جلب هؤلاء المطربين والفسقة وأهل مجالس اللهو وبذل تلك الأموال لاحياء الليالي بالغناء والرقص إلى الفجر وهي من المحرمات العظيمة التي تجلب العذاب كما قال الله عزَّ وجلَّ [وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ] ٥.
وكما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع): [لا يحل بيع الغناء ولا شراؤه، واستماعه نفاق وتعليمه كفر] ٦، بدلاً من التوجه للمساجد لصلاة الشكر وحث الناس على الطاعات والمستحبات مثل اقامة موائد الطعام للجائعين وغيرها؟.
لماذا الازدحام المختلط المحرم وتنسيق الأماكن لتلك الغاية مما ينتج عنه المفاكهة بين الجنسين وارتكاب المحرمات والجرائم من التحرشات وغيرها وما يهدم عفة المجتمع؟
هل رفعت الأقلام في ذاك اليوم أم تلك المناسبة تشفع لكل هذا الكم من الفسق؟
هناك من يعارض قائلاً إن تلك الأمور تحدث يومياً وليس فقط في ذاك اليوم وكل تلك الممارسات هي تعبير عن الفرحة وليس لأمور شهوانية!.
هنا تكمن المصيبة الكبرى وهي قبول تلك الأمور وتبريرها بأعذار سخيفة كما يقال في الأمثال العذر أقبح من الذنب، بل الاستعداد لها والمجاهرة بها أمام الملأ!.
ولنكن منصفين فليس هذا حال الجميع ممن يرتكب تلك الأمور، ولكن الأغلبية العظمى تمارس تلك الطقوس بحجة الاحتفال بتلك المناسبة.
لنصحح مفهوم الشكر لله قبل فوات الأوان وحلول النقمة، نحن لا نرفض فكرة الفرحة واحياء هذه المناسبة ولكن بالطريقة الصحيحة السليمة وفق الدين والشرع لجلب الرضا وزيادة الخير والبركة والتحصين من زوال النعمة، واجتناب مقت الله وغضبه وانتقامه كما فعل مع قوم نبي الله شعيب (ع) حيث أهلك القوم جميعاً رغم وجود الصالحين بينهم.
فقد روي أن الله تعالى أوحى إلى نبيه شعيب أني معذب من قومك مائة ألف، أربعين ألفا من شرارهم وستين ألفا من خيارهم.
فقال عليه السلام: يا رب هؤلاء الأشرار، فما بال الأخيار؟
فأوحى الله عز وجل إليه (لمداهنتهم أهل المعاصي ولم يغضبوا لغضبي).٧
هذا كان جزاء الصالحين لامتناعهم عن النصيحة ورفض المنكر بل أصبح من المسلمات لهم رغم عدم المشاركة في تلك الأفعال ولكن مجرد قبولهم لها كان سبب هلاكهم، وذلك بعد ما نصحهم نبي الله قائلاً كما ذكر الله عز وجل في كتابه: [وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ / وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجًا وَاذْكُرُواْ إِذْ كُنتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ ]٨.
ولكن لا حياة لمن تنادي حتى أتاهم البلاء جميعاً.
لنعتبر من الأقوام السابقة ولنشكر الله كما يحب ويرضى وكما هو أهله، اجعلوا الشكر بصلة الأرحام ومساعدة الفقراء وموائد الاطعام ومساعدة المكروب والملهوف وادخال السرور في قلوب المؤمنين، احمدوه بالسجود والابتهال والدعاء لدوام النعمة، وانصحوا الغافلين عن تلك المعاصي باللين والموعظة الحسنة، ولا تركنوا للظالمين والفسقة ولا تبرروا المعاصي وانكروا الباطل ولو بالقلب وهو أضعف الايمان.
واتبعوا قول الله تعالى: [قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] ٩.
اضافةتعليق
التعليقات