مع إطلالة هلال شهر المحرّم الحرام تتجدّد ذكرى مصاب الإمام الحسين عليه السلام، وفي طيّاتها يشارك شيعة وموالين أهل البيت عليهم السلام في إحياء مراسيمها بأشكالٍ مختلفة، تتقدّمها مراسيم إظهار الحزن في شهر المحرم الحرام ولبس السواد وانتشار الرايات السوداء بشكل واسع وكبير التي تعلن عن بدء شهر الحزن شهر العزاء والنحيب والبكاء.
وأنا بحسب العادة التي اكتسبتها عن والدتي ووالدتي من والدتها وهكذا تناقلا عبر الأجيال هو أن نرتدي الأسود في عاشوراء وأطفالنا أيضا يرتدون لباس الحداد على أبا عبد الله عليه السلام..
وكالعادة في كل عام وتحديداً في الليلة الأولى من شهر محرم ومع مراسيم تبديل راية الامام الحسين وأخيه أبي الفضل العباس عليهما السلام أحضر ملابس الحداد ايذانا ببدء الحزن والمواساة لأهل البيت عليهم السلام.. وبينما أنا منشغلة بترتيب الملابس في درج ابنتي الصغيرة حتى ترتديها وفق العادة سألتني مستغربة..
لماذا نلبس الأسود يا أماه هل نحن في حزن؟
قلت لها نعم. ردت علي ومن المتوفي؟ أجبتها إنه الحسين عليه السلام. قالت: ومن يكون الحسين؟
قلت لها: الامام الحسين ابن الامام علي عليهما السلام أمه البتول وجده الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم هو سيد شباب أهل الجنة كما وصفه جده صلى الله عليه وآله وسلم: "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة". وهو ثالث الأئمة الاثنى عشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وخامس أصحاب الكساء. لقد ضحى الحسين (عليه السَّلام) في واقعة الطف الخالدة بنفسه وأبنائه وأصحابه من أجل الحفاظ على الدين الإسلامي واعلاء كلمة الحق على الباطل وقدم نفسه وأبنائه وأصحابه فداءً للإسلام.
تأملت ابنتي كلامي وسألتني هل بلبسنا السواد واعلان الحداد نحن نعلن حبنا وولائنا للإمام الحسين عليه السلام؟
عزيزة أمك، إن الامام الحسين عليه السلام عقيدة ودرس ومنهج حياة فكان هدفه عليه السلام واضحا منذ اللحظة الأولى لثورته، كانت ثورة الحق على الباطل، فعندما همَّ لوداع أهل بيته وعشيرته ليترك مدينة جده المصطفى (ص) متوجهاً إلى كربلاء حيث مكان استشهاده قال: "إني لم أخرج أشراً، ولا بطراً، ولا مفسداً، ولا ظالماً، وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي محمد، وأبي عليّ بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق، فالله أولى بالحق، ومن رد عليَّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق، وهو خير الحاكمين". هذا هو هدف الإمام الحسين من ثورته.
فإذا أردنا أن نعلن حبنا وولائنا لإمامنا الحسين عليه السلام علينا أن نكون ذو بصيرة وأن نجعل حب الله في قلوبنا فقد قال النبي محمد (ص): "حسين مني و أنا من حسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط". علينا أن نتحلى بأخلاق الحسين عليه السلام الإسلامية من الشجاعة والتواضع وحب الناس وغيرها من صفاة المسلم المتكامل.
نحن نعلن ولاؤنا للإمام الحسين عليه السلام عندما نصلي صلاتنا بأوقاتها، نحن نعلن حبنا للإمام الحسين عليه السلام عندما نساعد الفقير، نفرح قلب إمامنا عندما نقرأ القرآن، وننتهج جميع مناهجه عندما ندافع عن الحق ونقف معه ضد الباطل، عندما نبر بوالدينا ونساعد المحتاج ونعطف على الصغير ونحترم الكبير..
ملخص الكلام نحن نكون حسينيين عندما ننتهج مسيرة الامام الحسين عليه السلام ونتمسك بمنهاج ثورته عليه السلام من خلال التحلي بالأخلاق الاسلامية التي ضحى عليه السلام بدمائه وأهله من أجلها.
هنا بدأت تغيب نظرات الاستفهام عن عيني ابنتي وأحسست أنها عرفت من هو الامام الحسين عليه السلام، ولكن يبقى عناد الأطفال في فضول معرفة كل شيء يراودها، فسألتني: إذن ما الغاية من لبس السواد؟
ابتسمت لسؤالها البريء وأجبتها: إن الإمام الحسين صلوات الله وسلامه عليه عَبرة وعِبرة، العِبرة معناه الانتهاج بمنهاج ثورته وجعلها منهاج حياة، والعَبرة هي الدمعة وإحياء مراسيم الحزن بهذه الواقعة الأليمة، يعد يوم العاشر من محرم وماحدث فيه من قتل عترة أهل البيت عليهم السلام وسبي نساء النبي بشكل يهز عرش الانسانية، فقد شهد التاريخ الاسلامي الوقائع والأحداث المؤلمة في واقعة الطف مايجعلنا نستذكر هذه الواقعة الأليمة بحداد وحزن على أهل بيت النبوة ومنبع الرسالة لتذكير العالم أجمع بهذه الفاجعة وماحلّ على الامام الحسين وأهل بيته الكرام من قتل وسبي.
قال تعالى في كتابه الحكيم: "وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَىٰ تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ". فعندما نستذكر هذه الذكرى الحزينة في كل عام يبقى ذكرى الامام الحسين جرس يدق في أذهان الذين بقلوبهم مرض. وصورة مشرفة يفتخر بها من هم ينتهجون منهاج ثورة الامام الحسين عليه السلام.
يا ابنتي إن الامام الحسين عليه السلام في قلوبنا وضمائرنا، الامام الحسين كل يوم وليس شهر من السنة، ثورة الامام الحسين منهاج ودرس من دروس الأخلاق والعبرة التي يجب أن تكون نبراس حياتنا وخارطة طريقنا.
ضحكت ابنتي واسرعت لارتداء ثوب الحداد وقالت: أمي أنا أفتخر لكوني حسينية.
علينا أن نلتفت في هذه الأجواء إلى موضوع تربية أطفالنا التربية الحسينية الصحيحة وغرس حب الحسين في قلوبهم، ويكون ذلك من خلال حبهم لمبادئ ثورة الامام عليه السلام وفتح باب النقاش مع أطفالنا عن أسباب قيامنا بهذه المراسيم الحسينية حتى تنموا معهم هذه المفاهيم ويعملوا بها على قناعة ودراية كاملة.
ويجب أن نعطي مساحة واسعة للحوار مع أولادنا بمختلف أعمارهم، وذلك للوصول إلى القاعدة المعرفيّة المتوفّرة لديهم عن ثورة الإمام الحسين(ع)، والعمل على تنميتها من جهة، وتصويب المعلومات غير الدّقيقة أو الخاطئة من جهة أخرى.
إضافة إلى ذلك اصطحابهم إلى المجالس والمسيرات والمسرحيات العاشورائية حتى ولو كانوا في سنٍ صغيرة، على اعتبار أن ذلك يسهم في نشأتهم نشأة إسلامية قوامها التضحية والصبر والذود بالغالي والثمين من أجل رفع كلمة الحقّ.
اضافةتعليق
التعليقات