لماذا ننام؟ قد يبدو سؤالاً بديهياً وجوابه البسيط: لأنّنا متعبون. إلا أنّ هذا السؤال الذي يبدو بسيطًا، شغل العديد من العلماء، وفتح أقساماً متخصصة في الجامعات العالمية لمحاولة فهم تاريخ هذه الظاهرة، وكيف طورها الإنسان، وما هي تبعاتها على الصحة البدنية والنفسية.
كان من بين هؤلاء المتخصصين عالم الأعصاب والخبير بشؤون النوم رئيس قسم علوم نوم الإنسان بجامعة كاليفورنيا ماثيو ووكر، عندما كتب كتابه الأكثر مبيعاً: لماذا ننام؟ اكتشف طاقة النوم والأحلام.
وأشاد رجل الأعمال الأمريكي بيل غيتس، مؤسس شركة مايكروسوفت، بكتاب "لماذا ننام؟" على مدونته الرئيسية حيث يقيم فيها بشكلٍ دوري كتباً يقرؤها خلال العام، وقد حظي كتاب ووكر بنصيب من التقييم والمديح من قبل غيتس.
النوم الصحي علاجٌ ثوري لمشاكلك الصحية والنفسية
يشرح ووكر في كتابه أنّ النوم إذا ما نظرنا إليه من جانب نظرية تطور الإنسان، فإنّ مكاسبه أكثر بكثير من سلبياته، فهو يزيد من نسبة الإبداع، ويعزز الصحة البدنية والنفسية، ويطيل العمر الافتراضي للإنسان (Life-span).
وبحسب رئيس قسم علوم نوم الإنسان بجامعة كاليفورنيا، فقد توصل العلماء إلى خاتمة مفادها أنّ النوم الصحي هو علاجٌ "ثوري" لمشاكلك الصحية والنفسية، فالنوم يساعدك للحفاظ على رشاقة جسمك، ويقلل من شهوتك للطعام بما يساعدك لتقليل وزنك، كما أنّه يحفظك من أمراض السرطان والخرف، ويقلل من نسب السكتات القلبية والدماغية.
وقد يبدو لوهلة أنّ النوم هو مرحلة يأخذ الجسم فيها راحة من أي عمليات داخلية، ولكنّ لا تستغرب إذا قلت لك إنّ فترة النوم هي من أكثر الفترات إنتاجية للجسم؛ فأثناء نومنا ينتقل الدماغ كل ساعة ونصف بين ثلاث مراحل طورها الإنسان عبر آلاف السنين وهي: النوم العميق، والنوم الخفيف، ونوم حركة العين السريعة (REM).
أثناء النوم العميق يعمل الدماغ كأنّه "خدمة توصيل البريد"، حيث يُوصل الحُصين (Hippocampus)- أحد مكونات الدماغ التي من وظائفها تخزين الذكريات التي تمر عليك أثناء يومك- المعلومات إلى خلاياها الدائمة، ويصبح الإنسان بذلك أكثر قدرة على تذكر المعلومات باليوم الذي يليه. فإذا كنت ممن يسهرون طوال الليل للمذاكرة من أجل الامتحان، فمن الأفضل لك ألا تضيع فرصتك من النوم العميق.
تأتي المرحلة الثانية وهي مرحلة النوم الخفيف، ويقوم الدماغ بمسح جميع المعلومات من على الحُصين، لإنعاش الذاكرة وتجديدها لتتمكن من الاستيقاظ مبكراً وممارسة مهامك على أفضل وجهٍ ممكن.
وأخيراً مرحلة نوم حركة العين السريعة، ولاسم المرحلة نصيبٌ من وظيفتها، فهو يُعبر تماماً عن حركة بؤبؤ العين السريعة كأنّه ماسح ضوئي. ففي هذه المرحلة، يقوم المخ، بالذهاب للخلايا التي انتقلت إليها المعلومات الدائمة أثناء مرحلة النوم العميق، ويقوم بالتشبيك بينها، وربطها، وفهمها، لتخرج لك قصة يمكنك فهمها بسهولة. فإذا استيقظت يوماً ووجدت مسألة محلولة في ذهنك، فهذا يعني أنّك قد نمت نوماً هانئاً.
يحكي ووكر في كتابه أنّ الإنسان هو الكائن الوحيد الذي "يحرم نفسه عمداً من النوم من دون أسباب وجيهة"، على عكس الحيوانات. فمثلاً تنام الأسود والنمور لمدة 15 ساعة يومياً، بينما تنام الخفافيش 19 ساعة، ويضيف أيضاً أنّ حتى الدلافين بإمكانها النوم بنصف دماغ، بينما يبقى النصف الآخر مستيقظاً لأداء أدوار أخرى.
لماذا لا يقضي بعضنا حاجته من النوم؟
نقل موقع هيئة الإذاعة البريطانية BBC تقريراً عن استطلاع رأي أجرته شركة فيليبس عن النوم، حيث شارك فيه 11 ألف شخص من 12 دولة مختلفة. ويقدم استطلاع الرأي خلاصات مفادها أنّ 62% من البالغين لا يحصلون على ما يحتاجونه من النوم بمعدل 6.8 ساعة يومياً.
وتباينت الأسباب التي تضطر هذه الفئة لعدم النوم، حيث ذكر 37% أنّ عدم نومهم سببه ساعات العمل الطويلة.
ويجد بعض العاملين أنفسهم في حاجة لقضاء ساعات بعد العمل، للترويح عن أنفسهم، وقضاء وقتٍ مع أصدقائهم وعوائلهم، ويكون هذا الوقت عادةً على حساب وقت النوم اللازم للإنسان.
8 نصائح بإمكانك اتباعها لتحسين نومك
بعيداً عن هذا الكتاب وعن الدراسات المتخصصة، يسعى الإنسان بفطرته منذ عقود لنومٍ هادئ خالٍ من التوتر، والكوابيس. فالنوم بأحلامه هو رحلة، قد تعود منها مشحوناً بالطاقة الإيجابية وقد تعود منها مرهقاً في حاجة إلى المزيد من الراحة؛ فكيف تجعل تلك الرحلة هانئة ومفيدة لك؟.. إليك بعض النصائح تساعدك في الحصول على النوم الصحي.
· إزالة أيّ إضاءة "إل إي دي" في غرفة النوم، لأنّ إشعاعاتها الزرقاء هي من أكثر المصادر التي تذهب النوم. ذلك أنّ هذه الإضاءات تقلل نسبة هرمون الميلاتونين الذي يجلب النعاس. وبإمكانك استبدالها بإضاءة حمراء لتساعدك في النوم.
· بعد غروب الشمس، بإمكانك ارتداء النظارة التي تحجب الضوء الأزرق.
· إذا كنت تستطيع ضبط حرارة غرفتك، فعليك وضعها على 18 درجة مئوية (65 درجة بقياس فهرنهايت)، حتى تنخفض درجة حرارة الجسم من 2 إلى 3 درجات مئوية.
· إذا كان بإمكانك أخذ قيلولة قصيرة في منتصف النهار، قبل الساعة الثالثة عصراً، فإنّها غالباً ستحسن طاقتك الإبداعية، وصحة قلبك، وتطيل في عمرك.
· اذهب إلى سريرك في نفس موعدك المعتاد، حتى لو كسرت عادة نومك ليومٍ أو يومين.
· إذا لم تتمكن من النوم، انهض من فراشك قم بعمل أي شيء يهدئ أعصابك ثم عُد إلى النوم.
·تجنب شرب أي مشروب كافيين بعد الساعة الواحدة بعد الظهر.
· حتى تستيقظ بنشاط وحيوية، فعليّك أنّ تمر بجميع هذه المراحل بمتوسط 7 إلى 9 ساعات يومياً. حسب عربي بوست
لماذا يحتاج الإنسان للنوم؟
لم يتوصل العلم بعد إلى السبب الرئيسي الذي يدفعنا للنوم، لكنه يبقى مهما للغاية، فهو ليس "راحة سلبية" يقضيها الجسم في كسل، وإنما عملية "تجديد وصيانة" متواصلة طوال ساعات الليل في الدماغ، إضافة إلى فوائد أخرى تجعله خير دواء.
هل تمنعنا الكمبيوترات اللوحية من النوم؟
نقضي نحو ثلث حياتنا مستغرقين في النوم الذي يبقى مهماً كتناول الطعام والشراب والتنفس، فهو ليس "راحة سلبية" فقط، كما يقول المصطلح العلمي، بل أكثر من ذلك بكثير، فهو أيضاً نوع من وضع توفير الطاقة البيولوجي. فحين ننام نستهلك مقداراً أقل من طاقة الجسم مقارنة باليقظة. ولم يتوصل العلماء بعد إلى الحقيقة الكاملة وراء الحاجة للنوم، على الرغم من أن الكثير من الدراسات تشير إلى أن الدماغ هو المسؤول عن حاجتنا إلى النوم. فما الذي يحدث بالضبط في رؤوسنا أثناء النوم؟
عن ذلك يقول الباحث في بيولوجيا الأعصاب في جامعة توبنغن الألمانية ألبريشت فورستر: "ليلاً تبدأ عمليات كثيرة داخل الدماغ، وهي أثناء النوم أكثر من أي وقت آخر في حياتنا". حين نكون مستيقظين، يتم بناء اتصالات جديدة بين الخلايا العصبية. وحين ننام تبدأ عمليات إعادة البناء والترتيب. ويضيف فورستر لموقع "شبيكتروم" الألماني بالقول: "النوم شيء يشبه الغسل والقطع والترتيب في الدماغ".
ويوضح العالم الألماني: "يتم اختبار الصلات بين الخلايا العصبية في أدمغتنا وإعادة تعديلها بحيث لا تستهلك الكثير من الطاقة ومعالجة المعلومات دون معوقات. كل ما تم بناؤه وربطه أكثر من اللازم خلال اليقظة والعمل اليومي، يتم تقليصه مرة أخرى. في الوقت نفسه يجري كنس فضاء عقولنا: كل ما تبقى هناك من بقايا البروتينات والعمليات العصبية سيتم التخلص منه".
ترتيب الذكريات
يلعب النوم أيضاً دوراً مهماً في إعادة توزيع ذاكرتنا وتثبيت المعلومات فيها. فالنوم يعيد تنظيم محتوى ذاكرتنا من معلومات ويحولها إلى معرفة عالية الجودة. عن ذلك يقول فورستر: "من المفترض أن تكون معظم الذكريات في متناول اليد أثناء النوم". كيف هذا؟ أثناء النوم يوجد تبادل نشط بين مناطق المخ المختلفة: الحُصين، وهو إلى حد ما المفكرة في دماغنا، يلاحظ أي التجارب مهمة ويعطي خلال النوم القشرة الدماغية نبضات لعرضها من جديد مراراً وتكراراً وتثبيتها وربطها ببعضها البعض".
وأثناء عملية التخزين هذه تكون ذاكرتنا ضعيفة للغاية، وعليه فمن غير المسموح أن تعترضها تجارب جديدة قد تتداخل معها. "لهذا السبب فإننا نفقد القدرة على الوعي والإدراك في نومنا"، يقول فورستر مضيفاً أن "تنسيق القرص الصلب لا يعمل إلا إذا توقفت عن إعطاء إيعازات جديدة".
توازن مهم
من الواضح أن النوم يضطلع بدور أساسي لعمل الدماغ، إذ يضمن أن يعمل النظام على النحو الأمثل وأن المخ لا يخرج عن توازنه. عن ذلك يقول فورستر: "يبدو أن الصحوة تضع الجسم بشكل متزايد في اختلال التوازن المادي". بدون نوم تكون العلاقة بين خلايا الأعصاب لدينا غير متوازنة، وكذلك مقدار الناقلات العصبية، وهي الناقلات العصبية التي يتم إطلاقها لنقل الإشارات بين الخلايا العصبية.
ولا يؤثر عدم التوازن على تفكيرنا فقط، وإنما على مزاجنا أيضاً، إذ نصاب باختلال التوازن عاطفياً، لأننا نفتقر إلى الضبط الدقيق الذي لا يتم إلا من خلال النوم. وتصبح أهمية العمليات التي تحدث أثناء النوم واضحة عندما لا تعمل بالشكل الصحيح. إذا لم يتخلص المخ من رواسب البروتينات، فسوف يتراكم ويتداخل ويقتل الخلايا العصبية. وقد وجد العلماء مثل هذه التراكمات البروتينية في أدمغة المصابين بالأمراض التنكسية العصبية مثل مرض الزهايمر والشلل الرعاش "باركسون".
النوم خير دواء
كما يحتاج الجسم أيضاً إلى النوم من أجل تجديد كل شيء فيه، فمثلاً إصلاح الخلايا ونموها يزداد ليلاً. النوم المريح يحافظ أيضاً على توازن السكر في الدم واستقلاب الدهون لدينا ويقيد شهيتنا. وأولئك الأشخاص الذي يعملون في ورديات ليلية بشكل منتظم هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بالنوع الثاني من مرض السكري والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية.
بالمناسبة فإن النوم يؤثر أيضاً على قوة جهازنا المناعي، فحين ننام، تستعد الخلايا المناعية لليوم التالي وتتبادل المعلومات عن الفيروسات الدخيلة لتشكّل بذلك عماد الذاكرة المناعية. حين يصيب الجسم الفيروس الدخيل نفسه لمرتين، ففي المرة الثانية تكون استجابة الخلايا المناعية أسرع وأكثر كفاءة من المرة الأولى.
وقد يكون النوم "شراً لا بد منه" بالنسبة لبعض الأشخاص الذي يواصلون الليل والنهار عملاً، إلا أن الحقيقة تقول إنه يبقى جزء ضرورياً من حياتنا. وحين لا ننام فإننا نخسر نصف حياتنا، وربما حياتنا بأسرها. حسب dw
اضافةتعليق
التعليقات