بدأت خواطر الصبا تجول في ذاكرتي وتأخذني إلى تلك الأيام الجميلة التي كنت أقضيها مع أصدقائي في المدرسة، كنت أفكر آنذاك في افشاء السلام في أوساط الصف وكان الهاجس الذي يتملكني ليل نهار أن أصنع من أجواء المدرسة محيطا يملأه الإخاء والوفاق، لم أکن أمرُ باثنین یتشاجران إلا قمت بالإصلاح، ولم أدع أحدا في أرجاء المدرسة يحمل حقدا على آخر.
كنت آمل أن يعرف الناس أننا هنا في هذا العالم لأجل أن نأخذ يدا بيد ونعمل لأجل مستقبل مشرق، لا أن نتشاجر ويطيح أحدنا بالآخر لأجل أن يصل إلى مبتغاه، بعيدا كل البعد عن القيم والمثل الأخلاقية وبمنأى عن أحاسيس الآخرين وشعورهم، وكان يتردد في خاطري قول الامام علي (عليه السلام): وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ وَالْمَحَبَّةَ لَهُمْ وَاللُّطْفَ بِهِمْ وَلَا تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبُعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ وَإِمَّا نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْق.
لكنني كبرت وعرفت أن القيم التي تسود العالم هي غير تلك التي كنت أفكر فيها أيام صباي، والهدف الذي يلهث وراءه الكثيرون يختلف عن الأسس التي بنيت عليها حياتي والتي استلهمتها من العذب الصافي لمنهج أهل البيت (عليهم السلام). فهذه أنباء الإنفجارات ملأت آذاننا وصحفنا حتى أصبحت شيئا اعتدنا عليه وصارت جزءا حزينا من حلقة الحياة في بلدنا الحبيب.
جلست أفکر ما سبب کل هذا الرعب والإرهاب اللذان يخيمان على العالم؟ لم لا يدع بعضهم أن تنعم البشرية بالسلم والأمان؟ ما سبب كل هذا العنف الفوضوي الذي قبض بمخالبه على البشرية؟ نيران القلق تتأجج في قلوب الكثير وأصبح القاصي والداني يخاف الرعب والإرهاب.
يا ترى ما هي الجذور وما هي الحلول؟ فالخطوة الأولى لحل مشكة ما هي معرفة الجذور ولو تمكنا من حل تلك الجذور لاستطعنا أن نقضي على تلك المشكلة ونحلها. أعرف بأن هناك أيدي خفية تعمل ليل نهار لإشعال نيران الفتنة في المجتمع الإسلامي، عملا بالمقولة التي بنوا عليها أساس حكمهم: فرِّق تسد، لكنّنا ينبغي علينا أن لا نتجاهل دورنا في قبول هذه الصنيعة بنا، إذ أننا لو تسلحنا بسلاح الوعي والإدراك لاحترزنا السقوط في هذا الوادي المخيف المصنوع بأياديهم لخلق الفوضى في العالم الإسلامي.
تذکرت فلما قصیرا شاهدته قبل فترة من الزمن حيث يسلط الضوء على مدى تأثير المشاهد التي نراها على تصرفاتنا وانفعالاتنا، حيث قام الباحثون ببث لقطة قصيرة لمجموعة من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السادسة والسابعة، في مجموعات ثلاث.
الأطفال في الفريق الاول جالسون على الكراسي وهم يشاهدون لقطة لطفل صغير، وإلى جانبه دمية كبيرة، الطفل يتوجه صوب الدمية، يحتضنها، يلمسها بحنان، ثم يذهب ليقوم بباقي أعماله.
الفريق الثاني يشاهدون نفس المنظر بذاته إلا أن الطفل لا يعبأ بالدمية ولا يعير لها أي إهتمام ولم ينتبه إليها بالمرة.
والطفل في اللقطة التي تبث للفريق الثالث، يتجه إلى الدمية بعصبية، يركلها برجله ويرفسها بعنف.
ثم طلب من كل الأطفال أن يدخلوا دارا فيها دمية كتلك التي شاهدوها في تلك اللقطة، والغريب أن كلا منهم قام بنفس ذلك التصرف الذي شاهده: فقام الأطفال في الفريق الأول بإبداء الحب والحنان للدمية، وقام الأطفال في الفريق الثاني بإهمالها، وعامل الفريق الثالث الدمية بعنف.
هذا يكشف مدى تأثير ما يشاهده أطفالنا على تصرفاتهم وردود أفعالهم مع من حولهم. يا ترى ما الذي يبرمج عقول أطفالنا في عالم اليوم؟ الكثير من المشاهد التي يراها الأطفال في برامج التلفزيون تشجع على العنف، الألعاب الإلكترونية مليئة بمشاهد الرعب والإرهاب والقتال لأجل النيل بالفوز والإنتصار. فأصبح المبنى الفكري للأطفال ممزوجا بالعنف والقسوة ومندمجا بحب الإنتصار وإن كان على حساب الآخرين.
إن كنا نطمح في حياة ملؤها السلم والأمان لابد أن نقوم بتغيير جذري لإعادة صياغة الأفلام والافلام الكرتونية والألعاب التي اخذت بحوافل حياة أطفالنا. في عالم اليوم، من يقوم بتربية الجيل الصاعد هم صانعوا هذه الألعاب والأفلام الكرتوينة، فعلينا أن نقوم نحن بملء هذا الفراغ لنستطيع بناء مجتمع تقوم دعائمه على أساس السلم والرفق واللاعنف.
من الخطوات الأخرى في هذا المجال يمكن الإشارة إلى:
_ انتاج أفلام قصيرة ومعبرة تلقي الضوء على أهمية السلم وكيفية القضاء على العنف.
_ كتابة قصص قصيرة ونشرها في أرجاء العالم وبمختلف اللغات لتشييد دعائم اللاعنف وضرورة التسلح بالسلم.
_عقد مؤتمرات ودورات تركز على هذا الجانب.
_نشر أحاديث وقصص من سيرة المعصومين (عليهم السلام) والعلماء الكرام في مختلف الصفحات: واتساب، تويتر، فيسبوك، مواقع الكترونية و...
ننهي الموضوع بكلام لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ حيث يقول: إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُعْطِي الثَّوَابَ، وَيُحِبُّ كُلَّ رَفِيقٍ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَايُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ.
اضافةتعليق
التعليقات