مع ساعات الصباح الأولى أخذت نرجس تجهز حقيبتها المدرسية وتضع الكتب وتتفقد الدفاتر تضع الأقلام والحبر جانبا حتى لا تنسى، بينماهي ترتب تذكرت هناك شيء لابد من وضعه في الحقيبة كتاب الإسلامية.
قبّلت الكتاب وجعلته في الحقيبة، بينما أختها الصغرى ترتب أشياءها وقفت الأم توصي نرجس على شقيقتها الصغيرة رقية وتطلب من أختها أن تمسك بيدها.
متشابكة الأيادي خرجن أحدهما تقرأ للأخرى آية الحفظ.
بين سير الخطى هناك تسير المنايا، عجفت الأوقات ترادف الأرواح عالمها، ثمة شيء ينتظر هذه الخطوات، السماء كانت تسعر جمرتها حتى أنك تشعر أن هناك دخان يتصاعد من الأرض، بائعة يتجولون قرب المدرسة، أصوات قريبة هناك من يشتري للعيد، وعدت نرجس أختها رقية أن تشتري لها حلوى للفطور، بينما نرجس تكتب ما ترغب شراءه في العيد..
رنّ جرس المدرسة، انتهى الوقت بينما يخرجون من الصفوف، تراجعت نرجس خطوة، ليس هذا الجرس المتوقع، صرخت رقية.. رقية. لا تخرجي حبيبتي.
هناك جرس آخر ينتظرنا. ازدحم المكان أصوات الرصاص الحي تعلو من المكان، قطرات الدماء، أصوات الإسعاف، صراخ البائعة وهم يبحثون عن بقايا أرزاقهم بين الجثث، هناك شيخ صائم يبحث عن ابنته، أم تجد حقيبة ابنتها مرمية على الرصيف، نرجس.. و١٠٠ طالبة فقدوا حياتهم في التفجير الإرهابي الذي استهدف كابل.
رقية عادت مبتورة الساق تبحث عن الحلوى التي وعدتها شقيقتها الكبرى لتناولها وقت الفطور، حتى أفاقت من غيبوبتها لتجد الخبر أن نرجس هي إحدى ضحايا التفجير الذي استهدف مدرستهم.
لا أحد ينقل الخبر كما هو لأنهم شعروا أن هذه البلاد فقيرة ولا تملك ما يستحق تسليط الضوء، بينما آخرون ينشغلون بعرض بطولاتهم على وسائل الإعلام الصفراء، مشاهد فوضوية عرضت على التلفاز.
لكن الحقيقة هي أحلام صائمة قتلت قبل أن ترتوي بماء الفطور، قتلت قبل أن تنال شهادة التخرج فكانت شهادة الوفاة هي الأقرب، كتب وحقائب مدرسية متناثرة على طريق ملطخ بالدماء، في حين كان السكان يحاولون مساعدة الضحايا لكن بقيت الصرخة هي صامتة لا أحد يحركها أو حتى يحاول أن ينقذها، رقية تخط أبجدية الحروف بعوق كامل فليس هناك آمال تقف عليها، صمت العالم، لم يعد يشغل الأمر فهي ليست بلاد النفط والغاز حتى الصرخة الأخيرة وشعار الإنسانية قتلت مع أول شظية سقطت على كابل بينما كان الضمير الإنساني يقظ ويستنكر حتى ورد في الحديث عن مولانا الإمام علي عليه السلام: (بَلَغَنِي أَنَّ اَلرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى اَلْمَرْأَةِ اَلْمُسْلِمَةِ وَاَلْأُخْرَى اَلْمُعَاهِدَةِ فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَ قُلْبَهَا وَ قَلاَئِدَهَا... فَلَوْ أَنَّ اِمْرَأً مُسْلِماً مَاتَ مِنْ بَعْدِ هَذَا أَسَفاً مَا كَانَ بِهِ مَلُوماً بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيرا) خطبة 27 نهج البلاغة، فكيف إذا قتلت المئات في شهر الصيام والقيام. هل يصحى الضمير الإنساني أم يبقى في سبات؟.
اضافةتعليق
التعليقات