من الألقاب التي تذكرها كتب التاريخ للسيدة زينب الكبرى(عليها السلام) هو " شقيقة الحسن(عليه السلام)"(١)، وبلا شك إن لهذا اللقب مقاصد ظاهرية، ككونها أخته بالنسب، ولكن أيضًا لو دققنا وتأملنا قليلاً-وبحدود ما نفهم- نجد إن لهذا اللقب مقاصد أخرى تشير لجوانب في شخصية السيدة (عليها السلام) من جهة، ولدورها الإلهي الرسالي والقيادي من جهة أخرى.
فمن مشتقات الشقيق مفردة الشق الذي يراد به "الصدع والفجوة والفراغ الذي لا يُسد" *أي وكأن بذلك إشارة إلى ما يُحدثه فَقد الشقيق، ففَقد الإمام الحسن (عليه السلام) أحدث صدعا في قلب العائلة الهاشمية بشكل عام، وبقلب مولاتنا العقيلة والإمام الحسين (عليهما السلام) بشكل خاص؛ فالشعور بالفقد يكون بمقدار معرفة عظمة المفقود، ولا يعرف الإمام الحسن (عليه السلام) حق معرفته في ذلك الزمان كمعرفة الإمام الحسين به وعديلة الحسين (عليهما السلام).
فكما إن لهذا اللقب هذه الجنبة الوجدانية فيه إشارة إلى جنبة أخرى، ففي اللغة أيضًا من معاني كلمة الشقيق هو" النصف الآخر"*، أي بما أن الإمام الحسن (عليه السلام)هو جزء أساس، لا يمكن فصل دوره وأهمية وجوده في التمهيد لنهضة الإمام الحسين (عليه السلام) في كربلاء- فكأن- استمرار وجوده (عليه السلام) كان من خلال وجود السيدة زينب (عليها السلام) قد تحقق، وفَقده قد سُد وعوض في هذا الجانب بالتحديد.
ففي الحديث: "النساء شقائق الرجال"، بالنتيجة هناك أشاره إلى جانب من شخصية السيدة الرجولية- ونعني بالرجولة السعي والحركة والعمل الواعي المتزن الذي يتطلب تعقل ونظرة ثاقبة وبصيرة- التي تشاركتها وتقاسمتها مع إمامها وأخيها المجتبى الحسن (عليه السلام).
فالمحن التي مَر بها الإمام الحسن(عليه السلام) بعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) وصعوبة المرحلة وخطورتها؛ كان العبور منها كاشفا عن حِكمة الإمام المجتبى (عليه السلام) وحِلمه وقدرته العالية على إدارة تلك الأزمة والمحنة؛ ليبدأ المجتمع مرحلة جديدة من خلال نهضة الإمام الحسين (عليه السلام) التي هي امتداد لنهضة الإمام الحسن (عليه السلام).
وهكذا كانت السيدة زينب (عليها السلام) فما مرت به من محنة قبل وبعد كربلاء، وما عاشته من أزمة انقلاب المجتمع على إمام زمانهم، ووجوب تصديها لإيصال الحق وإيقاظ ضمائر الناس، والحفاظ على الرسالة الإلهية الحقة كان يتطلب شخصية رجولية بقالب امرأة اسمها زينب(عليها السلام)، تلك التي تتحلى بالكثير من المعرفة والوعي والحكمة، والحلم والصبر والشجاعة والصلابة.
وكما إن الإمام الحسن (عليه السلام) هو المجتبى، أي الذي اختاره الله تعالى لتلك المرحلة التمهيدية ولذلك الدور، إذ إن الحرب التي أدارها الإمام الحسن (عليه السلام) لم تكن حرب سيف، بل حرب إعلام؛ السيدة (عليها السلام) وقع عليها هذا الإختيار أيضًا وجيء بها؛ لتطفئ الحرب الإعلامية -الناعمة- التي أرادت أن تنهي وتشوه قضية النهضة الحسينية بعد استشهاده.
بالنتيجة كأن هذا اللقب يريد أن يقول لنا: إن الله تعالى لم يُخلي الإمام الحسين (عليه السلام) من وجود أخيه الحسن (عليه السلام) في نهضته بل عوضه بالسيدة زينب (عليها السلام)، فسدت هذا الشق، وأنجزت ما كان يجب أن يتم ويتحقق.
-----
اضافةتعليق
التعليقات