الأمر أشبه بصدمة إستيعاب طارئة، لها شكل آخر، حادة الأطراف مرةٌ لاذعة، أن تستشعر فجأة فحش الفراغ وخواء المعنى بطريق موحش وضوء في آخر النفق يمد ذراعيه مرحبا فينظر إليه الأغلب بتعال واستكبار ويلهثون خلف أضواء من سراب.
جلست مايقال عنها فنانة في إحدى البرامج واسترسلت الحديث بكل عزة دون أن يكون على هيئتها أي كرامة أو عزة، بثياب مبتذلة لا تعرف الأكمام من الأكتاف وكل القطع فيها تتساءل هل للعنق أنا أم طوق مرمي على الجانب، أكمل المقدم حديثه وطرح عليها سؤاله الأخير: هل تنوين التوبة، أو ارتداء الحجاب؟
ردت بتعصب شديد أي توبة وهل أنا كافرة، العالم أين وصل ونحن مازلنا في هذا التفكير الرجعي، ثم أردفت قائلة: ربما سأرتدي الحجاب لكن ليس الآن فانا مازلت في بداية مشواري الفني.
لله مااعجبه من سلوك وما أسخفها من إجابة، تناقض نفسها تؤمن بالحجاب كفريضة وتدعي في ذات الوقت أنها على طريق قويم بحجة أن البعض من متبعين هذا الطريق هم على خطأ،
قيل في طرائف العرب: كان رجل في دار بأجرة وكان خشب السقف قديماً بالياً فكان يتفرقع كثيراً فلما جاء صاحب الدار يطالبه الأجرة قال له: أصلح هذا السقف فإنه يتفرقع قال: لا تخاف ولا بأس عليك فإنه يسبح الله فقال له: أخشى أن تدركه الخشية فيسجد.
ومانخشاه اليوم أن يدرك عالمنا الخشية فيسجد على رؤسنا بفعل عميان لا ارشدتهم عصاهم ولا قادتهم حينما أبصرت النور عيناهم.
تستفزني عبارة: (أين وصل العالم ونحن مازلنا بهذا التفكير)، وكأن العالم مرهون فقط بالمعاصي ومخالفة الدين والتوجه نحو أفكار رجعية أكثر من أن تكون متطورة، ولكن لماذا قد نلجأ إلى التقليد ونحن أصحاب حضارة اسلامية سادت العالم يوما، وبنور العلم أضاءت ظلام الجهل بين شعوب الغرب التي يتفنن شبابنا في تقليدها اليوم؟
المشكلة ليست في التقليد في حد ذاته لكن المشكلة أننا نقلد السيء فقط دون الحسن رغم أنه في العصور الوسطى حينما كان الإسلام قويا وأوروبا ضعيفة كانوا يقلدوننا في العلم حتى سبقونا وأصبحوا ماهم عليه الآن، ورموا إلينا فتات أفكارهم السطحية فتشبثنا بها حتى هوينا في درك لاقرار له، ثم يالسذاجة مثل هؤلاء المفكرين الذين يظنون أن الإنسان الغربي بفضل الحداثة والتنوير الذين مر بهما قد ترقى تفكيره فتخلص مما يسمونه الأيدلوجيا وتعصباتها، مستبدلا ذلك بالتفكير العلماني المتسامح، ثم يتفاجأ السذج الذين باعوا دينهم وعزهم بأبخس الأثمان، أن الغرب هو لم يتغير ولم يتبدل، حيث لا زالت النظرة الصليبية تحكمه عند حديثه عن الإسلام، مهما ستر ذلك بزخارف الشعارات التي لا تنطلي على العقلاء، وهذا مما رسخ عند أهل القرآن الذين أخبرهم ربهم فيه بأنه (لَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ).
وأغلب أصحاب هذا الفكر من المقلدين بلا هوية ستجدهم يجهلون كل شيء ما عدا آخر صيحات الموضة، ولو طرحت أي سؤال علمي عليهم من بين عشرة اشخاص سيجيبك ثلاث فقط أحدهم قرأها بالصدفة والثاني على سبيل معرفة والثالث ليظهر بصورة لائقة، بينما بقية الركب سيعطون نظرة الاستفهام، لهذا السبب لا أستغرب أبدا أن تكون جل برامج التقديم ذات أسئلة تافهة بلا معنى ولاقيمة مجرد أحاديث سمر أو جلسات تقال على قارعة الطريق.
يراودني حديث سمعته في إحدى المسلسلات التاريخية حينما طُرح سؤال على مدعي الدين الشيخ فيها لماذا تسعى لقتلك المفكرين وهم لايدعون الناس إلى ترك الدين والتعصب جل همهم التطور، أجاب ضاحكاً بما معناه: هذا هو الهدف الذي ارسلت لأجله فلو تطورت بلاد العرب وزاد مفكروها وقلت فيها الخرافة لما بقي لنا أثر، حينما تود أن تحتل بلاد عليك أولا أن تقتل مفكريها.
أتساءل لماذا نحن نقلد الغرب وهم لايقلدونا بتوافه الأمور كما نصنع؟
ربما لخوفنا من نظرة الناس الدونية على سبيل المثال لو عرضت على أحدهم فكرة استخدام الدراجه بدلاً من السيارة للمشاوير القصيرة، سيأتيك الرد المعتاد (ماذا سيقال عني)، للأسف نحن هكذا وإن غيرنا من أنفسنا صعب جداً أن نغير مجتمع بأكمله، أفكارنا محدودة والذي ينشز عن قواعد أفكارنا بأفكار جديدة فهو منبوذ، قطعنا شوطا طويلا في سبيل تغيير بعض العادات والتقاليد التي ليس لها صلة بالدين ولكن جعلنا من ممارستها فرض واجب علينا وكأنها نُزلت من السماء وأي منا يتخطاها فهو مذنب، نفس الشي أفكارنا التي أصبحت دخيلة تروج على شاشات التلفاز وتدرس في معاجم الأطفال على أنها المستقبل المشرق والحياة الأكثر استقرارا ورفاهية.
بينما كان يجب أن يكون الجواب بدل التقليد هو قوله تعالى: (قُل إِن هُدَى اللَّهِ هُوَ الهُدَىٰ ولئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الذي جَاءَكَ مِنَ العلمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِي وَلَا نَصِيرٍ).
اضافةتعليق
التعليقات