كان ولا يزال الرأي العام يشكل تأثيرا كبيرا على العديد من القضايا في المجتمع، ويلعب دورا مهما في تغيير القرارات المصيرية في العالم، فالكثير من القضايا التي يحدث فيها لبس وتكون غالبا إنسانية ويحدث فيها ظلم أو تعدي يلجأ صاحبيها إلى تأجيج الرأي العام لكسب تعاطف الجمهور وانحياز الموقف لهم، وعادة تأخذ صدىً كبيراً في العالم المجازي ويكون لها دوراً فعالاً في تغيير الآراء والقرارات، وقد بات تأُثيره اليوم واضحا أكثر من ذي قبل بسبب سرعة انتشار الخبر واختلاف طرق التفاعل معه.
ولكن من جهة أخرى لا يشتمل الرأي العام على الآراء الصحيحة فقط، فقد يحصل تأجيج الآراء حول فعل خاطئ إذ يذكر غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير بأن «الناس ينحازون للرأي الذي يتمتع بشعبية حتى لو كان خاطئا أكثر من انحيازهم لرأي صادق ليس له شعبية».
وما يتبين من ذلك بأن الناس يميلون إلى العقل الجمعي، أي الفعل الذي يؤيده جمهور أكبر حتى وإن كان الفعل غير صحيح وغير مقبول عقلا، بل ومن الممكن حتى أن يتعاطفوا مع قضايا إجرامية وغير مشرّعة دينيا ولا قانونيا فقط لأن شريحة من المؤثرين في العالم تفاعلوا مع هذه القضية وبينوا وجه التعاطف ونقلوا القضية بصورة عاطفية واستثاروا مشاعر الناس فيها.
كما أن المؤثرين من المشاهير والممثلين والمغنيين بل وحتى الكتاب والعلماء لهم دورا فعالا في تأجيج الرأي وسلك رؤى الناس حولهم، فشريحة كبيرة من المجتمع تنقاد إلى رأي مشهورها المفضل أو الكاتب الفلاني او... الخ وتتبع خطاه في الرأي وتتفاعل معه وتدافع عن قضيته حتى وإن كان موقفه وأصل القضية التي يروج عنها هو موقف سلبي وخاطئ وغير مقبول.
فتأجيج الرأي العام بات مفتعلاً أكثر في يومنا هذا لأسباب اقتصادية واجتماعية وثقافية، لذا من المهم جداً أن ننتبه لكل فعل يروج له أو يتفاعل معه، فمثلاً دعايات وحملات التعاطف مع الشذوذ وموقف الكثير من المشاهير للوقوف بجانهم من باب الانسانية والتعاطف هو أمر خاطئ جداً، وتبعاتها خطيرة على المجتمع وأفراده.
فالأمر الذي سيلحق تعاطفنا مع الشواذ هو نشر الفساد والفسق في المجتمع، فلربما يقول الكثير: بأن لا علاقة لنا بهم، وهم احرار بما يفعلوه ويجب ان نتعامل معهم من باب الانسانية، فتخرج الكثير من الوجوه المؤثرة في السوشيال ميديا وتؤيد فكرة قبول الشذوذ بل وحتى وصل الأمر بهم ان يعترفوا بشذوذهم امام الملأ ويتحدثوا عن تهميشهم في المجتمع ليكسبوا تعاطف الناس من حولهم!
فتجد بعد ذلك عشرات الصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن ذلك وتحاول كسب اهتمام الناس في هذه القضية من أجل التفات الرأي العام نحو قضية الشواذ في المجتمع.
هذا بالنسبة للشواذ، ناهيك عن عمليات القتل التي تحصل في المجتمع وكيف تحاول بعض الجهات سحب حبل الرأي العام نحو التعاطف وتأجيج مشاعر الناس حولها مثلما حصل قبل فترة في مصر عندما قام شاب بقتل فتاة لأنها رفضته!
فبدأت الصفحات تلون هذه الحادثة وتدرجه تحت مسمى "من الحب ما قتل"، وان هذا الشاب كان يحب الفتاة جدا ولم يستطع ان يتخيلها تتزوج غيره، فلم يتحمل الأمر وقام بقتلها كي لا تصبح زوجة شخص اخر!!
واخذت هذه القضية منحى الحب والعشق وتأثرت مشاعر الناس بهذا الشاب وشدة حبه للفتاة وتعاطفت معه كثيرا.
واخذت الجماهير تتابع قضية هذا الشاب وتتفاعل مع الاحكام التي يصدرها القاضي بحقه.
في هكذا قضايا قد يكون للرأي العام دورا حتى في تغيير مجرى الاحكام التي تصدر من قبل المحكمة وقد ينساق القاضي الى ما يؤول اليه الرأي العام ويصدر احكاما وفقا لذلك.
هذا بالنسبة للأحداث الحقيقية التي نشاهدها في العالم ولكن بغض النظر عن الاحداث الانسانية هنالك نوع اخر من التأجيج الذي يحصل لتشغيل الرأي العام من أجل الهائه عن أمور أخرى وهذا ما يحدث كثيرا في العالم السياسي.
اذ تلعب الصراعات دورا كبيرا في العمليات السياسية التي تحدث في العالم، فالكثير من العمليات غير الشرعية تحدث تحت وطأة الكثير من الاحداث التي نجهل أسبابها ومسببيها.
فلربنا حدث بسيط يخفي خلفه فاجعة كبيرة، ويحمل بين طياته الكثير من الفساد والظلم وهذا يمثل الاستراتيجية التي يتبعها الكثير من الجهات السياسية الكبرى والتي تتحكم في الكثير من الامور التي تحصل اليوم في عالمنا هذا.
بداية تقوم الجهة بفعلتها الشنيعة كالسرقة والقتل او القصف او التعدي ثم تخلق جوا دراميا تلهي من خلاله المجتمع وقطعا يكون الأمر مفتعلا، مثل: نشر فضيحة لأحد المشاهير في مواقع التواصل الاجتماعي أو التفاعل مع قضية فردية كالإعتداء او القتل أو انتحار وتفعيل الامر وتضخيمه ليكون محل انشغال الناس والهائهم ليغفلوا عن الجريمة الكبرى التي ارتكبتها تلك الجهات.
هذه العملية هي عملية الهاء للرأي العام، اذ تقوم هذه الجهات مثلا بقصف مدينة كاملة فيموت جرائها الاف الناس من بينهم نساء وأطفال فيندهش الناس بهذا الفعل فتقوم هذه الجهة مباشرة بنشر الحادثة المشهورة الفلانية التي تعرضت الى القتل في أجواء غامضة وغير معروفة فتغير مجرى الرأي العام وتفاعله من عملية القصف والقتل الجماعي لآلاف من الأبرياء الى قضية قتل شخص واحد مات بأحداث غامضة!
وغالبا يكون هذا الشخص اما متحولا جنسيا، او شخصا منحرفا او ينشر محتوىً فاسدا لكنه مثير للجدل في السوشيال ميديا ومن الممكن ان يخلق جوا ويلهي العالم عن القضية الأساسية.
لذا من المهم جدا أن ننتبه لكل ما يحصل في العالم وكل الترندات التي تأخذ حيزا في العالم المجازي، فالكثير منها مفتعلة ولها اهداف معينة وما ذكرته من عملية القتل الفردية مقابل الإبادة الجماعية هو مجرد مثال فالعدو اذكى من ذلك وفي كل مرة يخلق حادثة او قضية جديدة بحيث لا يشعر المتابع بأن الهدف من هذا الأمر هو تغيير مجرى اهتمام الناس وتحويل الرأي العام والهائه في أمور أخرى.
كيف نتعامل مع ذلك؟
من المهم جدا أن يتمتع الجمهور بالوعي والمعرفة العالية في تشخيص الأحداث التي تحصل في العالم وتشغيل الرأي العام في قضايا الحق والدفاع عنها وعدم السماح لأي جهات خبيثة أن تحول الرأي العام بما يتناسب مع مصالحها وأهوائها الخبيثة.
نحن اليوم في حرب ناعمة، والعدو اليوم يتمتع بأقوى الوسائل التي من خلالها يضلل الرأي العام ويغير الاعلام بما يتناسب مع مصالحه، ولكننا كمقاومين علينا أن نقف بكل قوة بوجه التضليلات الإعلامية والأفكار المغلوطة التي تنشر وتحصد تفاعلا كبيرا مقابل الأحداث الكبيرة والصفقات الشنيعة والإبادات الجماعية التي يرتكبها العدو بحق الأبرياء في العالم.
وأن ندافع عن الحق بكل ما نملك من الجوارح وأن تكون الكلمة والتي تمثل أضعف الإيمان هي الصادحة بوجه المفسدين ولا نسكت عما يحصل من الظلم والفساد ولا نسمح للعدو أن يطغوا ويمد أذرع الشر في العالم.
ونتمتع بالحصانة الفكرية والقدرة على التحليل والرؤية العميقة للقضايا التي تحصل اليوم في العالم، وأن نتحكم بعاطفتنا ولا نجعلها تنساق نحو القضايا التي لا تتوافق مع العقل والمنطق ولا تتفق مع الشرع والقصاص الإلهي الذي وضعه الله تعالى لتنظيم حياة البشرية، فتعاطفا غير المنطقي وغير المتفق مع الدين والشريعة سيسمح للسفاد والظلم أن ينتشر في عموم المجتمع، والعواقب ستكون وخيمة جدا وسيكون أثرها على المجتمع وعلى الأجيال القادمة وسندفع ثمنه غاليا جدا.
اضافةتعليق
التعليقات