في عصر العولمة الجميع مشغول في التطور والنهضة الأقتصادية ومحاربة التقشف وغيرها من هذه الأمور، التي يلهث من اجلها معظم سكان هذا العالم الكبير، يا ترى هل سألنا أنفسنا.. ماذا سنحصل من هذا الركض السريع؟ بعض من المال لشراء سيارة أو بيت في أحد أركان الزقاق الفاني!.
هل سألنا أنفسنا لماذا كلما نركض أكثر خلف هذا السراب نفقد البراءة ونزداد نفاقا! ونبتعد عن الجوهر الثمين الذي خلقنا من أجله!.
البعض نسي دينه وعاداته بسبب هذه الأمور، وكلما تقوم بنصيحته يقول الكلمة الشهيرة "مشغول"!.
نعم، التنمية البشرية أفادتنا بعض الشيء لـ النهضة الذاتية وتحقيق أحلام الفرد وعدم اليأس،
وما جاءت به التنمية البشرية من مبادئ نرفع لها القبعة لأنها لا تريد من العالم سوى أن يمتلئ بالخضار، حياة تشبه البنفسج والتوليب..
وماذا بعد؟!
هنا المحطة الجديدة التي لا بد من الوقوف فيها والنهل من منابعها ألا وهي "الثقافة"، قبل البدء بأهمية الثقافة وأبعادها التي تفوق المئة، لا بد من تعريف الثقافة في اللغة والاصطلاح، لكن قبل أن أعرّف اريد أن أذكر شيئا، في فترة التطبيق في أحد المدارس سألت طالباتي في الصف الرابع أعدادي "علمي" ما معنى الثقافة! كان جواب الأغلبية المطالعة والقراءة وواحدة من طالبات قالت ملعقتين قراءة وفنجان قهوة ورشة من الدبلوماسية.. ويكون الشخص "مثقف"!.
جواب الطالبة الأخير نعم فيه الطرفة؛ لكنه ممتلئ بالحزن لمن يفهم الثقافة ويريد أن يحرر الناس ولا سيما الجيل الناشئ من المفاهيم الخاطئة السائدة!.
على أي حال عزيزي القارئ، الثقافة لغة بمعنى التهذيب والتشذيب، كان العرب سابقا يقولون: ثقف السيف أي هذبه من الصدأ "الزنجار".
والثقافة اصطلاحا: تهذيب الروح من جميع الشوائب التي لا تليق بها وجعلها براقة كالذهب!.
بالمعنى الدقيق أن نتخلص من الكذب والنفاق والرياء والخيانة وكل الصفات الرذيلة والتحلي بمكارم الأخلاق والقيم والمبادئ..
هناك قصة خطرت في بالي الآن فيها ثقافة عالية المستوى ومضمونها، يروي أحد العلماء: كنت جالسا بعيدا عن أحد المحلات وكان عند صاحب المحل يجلس احد المعصومين عليهم السلام وكان يلاطفه الحديث، بعد لحظات جاءت امرأة فقيرة وقالت لصاحب المحل: أنا امرأة فقيرة وعندي أيتام، هل تشتري مني هذه الأشياء القديمة بثلاثة دراهم؟ أجابها صاحب المحل: هذه الأشياء تستحق خمسة دراهم ولا أريد أن أبخس حقك فيها، فأعطها خمس دراهم؟.
بعد لحظات أشار إليّ الامام المعصوم وقال تعال، عندما اقتربت منه قال لي: هذه هي الاخلاق التي نريدها '*.
صاحب المحل كان بأستطاعته ان يقول للمرأة اشياءك لا تستحق درهم؛ لكنه وبحسه المرهف أرادها أن تشعر بالعز لا بالذل وقال لها تستحق خمسة دراهم! هذه هي الثقافة الحقيقية المليئة بالإحساس بالآخر.
يا ترى نحن اليوم هل لدينا هذا الإحساس!!
نعم أيّها السادة نحن مشغولين ليلا ونهارا في البطون وكيف نملأ المعدة؟، هل فكرنا يوما أن ننشغل في روحنا ونكبر حجمها، ونجعل لها "كرش" بعرض السماء!، هل فكرنا أن يسير الإحساس بالآخر في دمنا كما كان المعصومين عليهم السلام!.
ومسك الختام قول الإمام علي الهادي "عليه السلام": الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون".
اضافةتعليق
التعليقات