"الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، "سيِّدا شَبابِ أهلِ الجنة".. "سِبطا رسول الله".. "ريحانتا من الدنيا"*.
عبارات من أعجب العبارات والأحاديث لرسول الله صلى الله عليه وآله، تفيد أن الحسن والحسين صلوات الله عليهما اصطفيا على أن يكونا إمامين معصومين متلازمين مقترنين معا لا ينفصلان، وجاءت أسماءهما، ملكوتية متقاربة تنم عن علو مقاماتهما في عالم الاصطفاء والملكوت، بجانب اشتراكهما في أصحاب الكساء، وآية المباهلة التي توحي بمعيتهما {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ..}1، وهما اللذان ذُكرا في الأئمة المعصومين بمثابة أخوين "الحسن والحسين".
ويخطأ مَن يفصل ويفارق بينهما، فقراءة سيرة ومنهاج أحدهما هي قراءة لسيرة ومنهاج الآخر، فمنهاجهما متقاربان ومتزامنان ومندمجان هويًة وزمنًا، مع تفوق الإمام الحسن فضلًا ورتبة على أخيه كما هو نص من أخيه سيد الشهداء (أخي أفضل مني)، لكن هذه المفارقة لا تعدم طابع الاِشتراك والمعية بين الأخويين.
فلهذا نجد لما استدرج الإمام الحسن الزكي صلوات الله وسلامه عليه وبتدبير وحنكة منه لمعاوية وجيشه إلى مدينة الكوفة وصيَّرهما في قبضته يُملي عليهما شروطه، كانت أهم وأول شروطه أن يبقي أخيه الحسين بعيدًا خارجًا عن هذه الصفقة لا يهادن ولا يبايع؛ والملفت للنظر هنا أن أول بنود هدنة الحسن هي الحسين، وهذا لم يأتي صدفة إنما هي قضية مرتبطة ومندمجة بتخطيط إلهي، فهما "إمامان قاما أو قعدا " صلوات الله عليهما.
فلما وجد معاوية نفسه محصورًا وملزمًا بإملاءات وشروط الإمام الحسن ولم يستطع أنْ يتمرد دون قبوله بالهدنة وشروطها، هنا ثارت ثائرته وانتفضت أوداجه حتى شك في خيانة وتآمر أقرب سواعد جيشه عمرو بن سعد.
كان بإمكان الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه وبعلمه اللدني أنْ يحقق النصر والغلبة العسكرية للأمة، ويخلصها من دهاء ومكر معاوية قبل الهدنة، ففِعله هو فعل الله تعالى، إلّا إنه لم يفعل.
كما كان بمقدور أمير المؤمنين صلوات الله عليه أن يقتل عمرو بن العاص حينما تعرى مرتين أمامه في صفين من أجل أن ينقذ نفسه، إلَّا أنه أيضًا لم يفعل.
وكذلك هو الحال مع سيد الشهداء صلوات الله عليه الذي كان بإمكانه أن يجهز على الحر الرّياحي ومقاتليه، خاصة عندما جاءه مجابها ومجعجعا لجيشه.
لكن الإرادة الإلهية لم تأذنْ بالنصر لهذه الأمة المتعوسة التي كانت غير مهيئة لنصرة إمام زمانها وخرجت عليه مرتدة وناكثة..
وقبول الإمام الحسن المجتبى صلوات الله عليه بالهدنة، ما كان إلَّا بعد أن وجد نفسه أمام تخاذل ونكوث كل من حوله من الأمة، حتى أقرب المقرّبين إليه من أصحابه، الذين زلّت أقدامهم بعد الهدنة وأصابهم الذهول وانفلتت من ألسنتهم وأياديهم بما لا يليق بمقام ومنزلة الإمام، إلَّا القلائل من الخُلَّص وكُمَّلِ المؤمنين، الذين تمنى الإمام لو كان عنده سبعة أشخاص فقط أمثالهم لما ترك قتال معاوية، أليس هو من قال لمعاوية (وتالله لو وجدت عليكم أعوانا ناصرين عارفين بحقي غير منكرين ما سلمت إليك هذا الأمر ولا أعطيتك هذا الأمر الذي أنت طالبه أبدا ولكن الله عزَّ وجلَّ قد علم وعلمت يا معاوية وسائر المسلمين إن هذا الأمر لي دونك ولقد سمعت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) أن الخلافة لي ولأخي الحسين وأنها لمحرمة عليك وعلى قومك..)2.
فساذجٌ مَن يعتقد أنّ الإمام المجتبى صلوات الله عليه اِعتزل الأمر وترك الحكم لمعاوية، أو دخل في صلحٍ أو هدنة معه لكونه خائفًا أو مضطرًا.
وخاطئٌ مَن يصفه بالهدوءِ والحلم والسكينة في تدابيره ومواقفه مع معاوية، دون أن ينظر إلى ما كشفه وعَرّاه صلوات الله عليه حتى آخر عمره الشريف بخطبه النارية من أوراقٍ فاضحة عن معاوية وبني أمية وعن فلان وفلان من أهل السقيفة، حتى كاد معاوية أن ينفجر، بقوله عن نفسه بما في مضمونه" كدت أفتك بالإمام الحسن لولا سيوف بني هاشم".
فمنهاج الحسن هو منهاج الحسين ومنهاج الحسين هو منهاج الحسن، وكذلك الحال مع بقية العترة الطاهرة.. منهاج واحد لهدف واحد، ورثوه عن جدهم رسول الله وأبيهم أمير المؤمنين وأمهم فاطمة الزهراء صلوات الله عليهم وعلى آلهم أجمعين.
ف "باطن الحسن هو الحسين وباطن الحسين هو الحسن ""إمامان قاما أو قعدا".
فهلا اجتهدنَّ في نصرتهما ونصرة حفيدهما القائم الحاضر الشاهد.
اضافةتعليق
التعليقات