لا أحد منا يختار أقربائه في هذه الحياة أنت تأتي إلى الدنيا وقد اختار الله لك والديك وعشيرتك المقربين، تجد نفسك أمام هذه الأعداد من الأرحام ويمتحن الله سبحانه تعالى عباده بهذه المحارم كما يمتحنهم بالعبادة، فأنا فتحت عيني في مدينة كربلاء المقدسة وأمامي جدي (رضوان الله عليه) رجل دين من المقدسين يلتف الناس حوله ويحبونه حبا كبيرا.
والدليل على ذلك حينما توفاه الله تعالى تعطلت كربلاءعن بكرة ابيها، بالرغم من أن السيد الجد كان مرجعا في كربلاء إلا أن صدى وفاته كان عالميا ودوليا، وكان أمام عيني أخوالي منهم صاحب هذه الذكرى آية الله العظمى محمد الشيرازي (رضوان الله عليه) كان بالإضافة إلى مسؤوليته العلمية والتي تحملها مباشرة بعد وفاة ابيه واصبح مؤولا للناس ومرجعا يقلده الكثيرون، إضافة إلى ذلك تمتع السيد بمجموعة من النقاط أعتقد أننا جميعا يمكننا الحصول عليها، أنت عندما تأتي إلى الدنيا وتجد نفسك من عائلة لا خيار لك في هذه العائلة لكن عندما تجد أحد من أفراد عائلتك الخال أو العم من اقربائك يهتم بالعلم يجب أن تهتم لذلك، نحن هنا نحيي ذكرى عالم بعد مرور ثمانية عشر عام من رحيله نلتف حول ذكره ومع بعد المسافة إلا انكم تحيون ذكره وفاته لماذا، لأنه كان عالما.
العلم أمره بيد الانسان، باستطاعة الفرد أن يولد جاهلا ثم يتعلم ويموت عالما وباستطاعته أن يبقى جاهلا ويموت جاهلا، أو يموت كما ولد، كان السيد معروفا بالجوانب المختلفة من علمه وليس الفقه إلا جانب واحد من الجوانب العلمية التي اهتم فيها، الفقه مسألة مهمة، المرجعية تقوم على معرفة أحكام الله من أدلته الشرعية والله يقول في كتابة العزيز: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم اذا رجعوا ليهم لعلهم يحذرون).
المطلوب أن يكون عندنا علماء ورجال دين والامام الصادق (عليه السلام) يقول: ليت السياط على رؤوس اصحابي حتى يتفقهوا. والامام علي يقول: التاجر فاجر إن لم يتفقه. يجب أن نعرف أحكام الله في الفقه وفي كل جوانب حياتنا.
لكن السيد كان غزير العلم، أتذكر ونحن على سفرة الطعام إن وجد كتابا يقرأ شيء منه وهو يأكل، كان في كربلاء الوحيد الذي يعرف التاريخ كلما تحدثت عن شيء ما، كان يعرف بعيدا عن الفقه، معرفته بزمانه بكل ما كان يجري، هذه المعرفة هي نتاج العلم والقراءة، وفي هذا الجانب بالذات دفعه للتأليف حول ما يحتاجه الناس، وفاق عدد مؤلفاته ألف كتاب، وإذا قمنا بجمع مؤلفاته فهي تفوق العدد، فقد سأله أحد المؤلفين الكبار بعد أن ذهب اليه وسأله: أنت تكتب بيديك أو بيد واحدة؟ فلا يعقل بيد واحدة تكتب هذه الصفحات والحروف؟ لو دققنا بعمر السيد المرجع وساعات الكتابة بعدد الصفحات والحروف وبتاريخ هذه المؤلفات تجد أنه كان يكتب أكثر من الآخرين.
فيبدأ من بعد صلاة الصبح يكتب في كتاب الفقه إلى بعد طلوع الشمس، كان يكتب لمدة أكثر من خمسين عاما، وفي أيام الكويت كان يسكن في دار صغيرة ربما لا تتجاوز المئة متر ولديه أطفال صغار، كان عنده خانة صغيرة تكفي لشخص واحد يجلس في هذا المكان ومعه الكتب فيكتب لمدة خمسين عاما في كتاب الفقه الذي تجاوز مئة وخمسون مجلد.
فكان العلم من الجوانب الذي اهتم فيها وكتب في الجوانب الاجتماعية، وأنا أدين للسيد المرجع بهذه الكلمات، في يوم من الأيام كنت جالسا في بيت والده فقال لي: أنت اكتب الكتب الاجتماعية، فقلت عفوا ماذا تقصد بالاجتماعية. فقال: الكتب التي ينتفع فيها الناس في امورهم في حياتهم.
وقد ذكرت هذا الأمر في كتبي وأتذكر أن أول مرة كتبت فيها مقالا أخذ مني أربع ساعات متواصلة، وفي اليوم التالي مزقت الورقة ولم يكن بالمستوى المطلوب، وقد شجعني كثيرا.
فكان يكتب عن مظلومية الشيعة والتوزيع في ذلك الوقت صعب جدا، فهذا الأمر الأول وهو الاهتمام بالعلم والتعلم ونشر العلم وتطبيقه.
الأمر الثاني الشعور بالمسؤولية، فكان يشعر بالمسؤولية اتجاه قضايا المجتمع (وقفوهم إنهم مسؤولون)، فحمل رايته في اصلاح المجتمع وتعليمه. فقام بتأسيس اللجان لعمار المساجد وتجديدها، ولجنة لإقامة المناسبات الدينية، وأيضا لجنة لمتابعة أوضاع الفقراء.
أنقذ صاحب كتاب مؤمن قريش من الاعدام، يذكر أن صاحب هذا الكتاب من المنطقة الشرقية اسمه عبد الله خنيزي بعد طباعة كتابه تعرض للضغوطات واعتقل وحكم عليه بالإعدام، السيد في وقتها شحذ الهمهم وتكلم مع مسؤولين حتى ينقذ الشاب وكانت النتيجة هو اطلاق سراحه وجاء عبد الله ودرس في النجف الأشرف وأصبح وكيلا لعدة مراجع، ومن كان يتعرض للاضطهاد كان يشعر أنه المسؤول عنهم.
الأمر الثالث في السيد، كان نموذج وقدوة للأجيال: كان يملك اثنا عشر ولدا، رغم أنه تزوج متأخرا، وفي تعدد الكفاءات وتأسيس المشاريع واستنهاض الهمهم كان سباقا..
كان مع الحفاظ على الأصول مع التجديد فالإنسان يحتاج في حياته إلى سكة ثابتة وعربات متغيرة، فالأصول ثابتة، وايضا دعا إلى التوجيهات الدينية قبل الاذان كما هو الآن في مدينة كربلاء فكان يعطي المواعظ والحكم.
كان يوجه الشباب والأطفال نحو الروايات والأحاديث، دعا إلى التبليغ السيار وهو تأجير السيارات مع تبليغ القبائل، منها سامراء، فكانت قليلة الزائرين فعمل مشروع زيارة سامراء أيام شهر رمضان المبارك، وإلى يومنا هذا.
اهتمَّ سماحته أيضا بالشعائر الحسينية اهتماما كبيرا جدا، فكان بحق نهضة أمة يقودها رجل.
اضافةتعليق
التعليقات