قال تعالى: {وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (محمد: 250)، في هذه الآية نجد ثلاثة مقومات قدمها أهل الحق لربهم في صراعهم مع أهل الباطل، هي:
المقوم الأول: [قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا]
كان الخطاب ب[ربنا] أي مربينا، مدبر شؤوننا، راعي أمورنا، حافظنا، والمحيط بنا، الحامي لنا، وعبرت الآية بمفردة [أفرغ] فكما يبدوا فيها إشارة لطلب استمرار المدد الإلهي -فكما يعبرون- إن بالصبر يُستعان على الصبر.
كما وجاءت مفردة[علينا] وليس [إلينا] يعني إن وعاء القلب ممتلئ بشيء آخر غير الصبر كالخوف والهلع والتردد أثناء الإقدام، فلابد أن تحصل التخلية لتحصل التحلية، فما أن يُسكب عليه -أي من فوق/ من مدد الله تعالى (وهو الصبر)- حتى يَفرغ وعاء القلب مما فيه ليحل محله الصبر فيملئه..
المقوم الثاني: [وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا]
يقال: "كلاً ميسر إلى ما خلق لأجله" فما أن يجد الإنسان التيسير في طريق ما هو سُير إليه بتوفيق من الله تعالى أو باختيار منه، ويجد فيه رسالته يتمكن أن يُسخر به إمكانياته وطاقاته، هنا لابد أن يمر باختبارات الثبات على السير في هذا الطريق، لابد أن يكون هناك معارضون ومعترضون، لابد أن تكون هناك عراقيل ومعوقات.
لذا هو يحتاج بشكل كبير إلى أن يلتفت إلى هذا الدعاء الذي نجده في هذه الآية، هو من كلمتين ولكنه يحمل في طياته سر الاستمرار، وسر التوفيق لعدم الانحراف عن الجادة، سر أن لا تزل الأقدام فيضعها صاحبها خارج الطريق؛ فيتيه عن رسالته، ويتوه عن طريق ربه، إنه طلب الثبات في الإِقدام على مستوى قوة الإرادة وخلوص النية القلبية، والأقدام على مستوى السعي والحركة الخارجية.
المقوم الثالث: [وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ]
فَهُم في هذه الآية طلبوا الثبات قبل النصرة، وطلبوا الصبر قبل الثبات؛ فمن دون صبر على الأذى والتثبيط والتشكيك سواء بنية السالك أو بصدقه بل وحتى بسلامة وصحة مسيره لا يمكن أن يثبت، ومن دون الثبات لا يمكن أن يتحقق النصر.
وختام ما تلفتنا اإليه هذه الآية -التي بها كل الظفر- هو أن القائلون -القلة- نسبوا كل شيء لربهم، فخرجوا من حولهم إلى حول وقوة ربهم، فهم ممن أدرك أن الصبر منه، والثبات منه، والنصر منه، ولم ينسبوا لأنفسهم شيئا، فوصلوا بذلك إلى جوهر العبودية.
اضافةتعليق
التعليقات