تعرف العدالة الاجتماعيّة بأنها أحد النظم الاجتماعيّة التي من خلالها يتم تحقيق المساوة بين جميع أفراد المجتمع من حيث المساوة في فرص العمل، وتوزيع الثروات، والامتيازات، والحقوق السياسيّة، وفرص التعليم، والرعاية الصحيّة وغير ذلك، وبالتالي يتمتّع جميع أفراد المجتمع بغضّ النظر عن الجنس، أو العرق، أو الديانة، أو المستوى الاقتصاديّ بعيش حياة كريمة بعيداً عن التحيّز.
عناصر العدالة الاجتماعيّة
- المحبّة، ويقصد بها أن يحبّ كل شخص لغيره ما يحب لنفسه.
- تحقيق الكرامة الإنسانيّة.
- نشر المساوة والتضامن بين جميع أفراد المجتمع.
- احترام وتعزيز مفهوم العدالة الاجتماعيّة.
المعوّقات التي تعترض العدالة الاجتماعية
- غياب الحريّة وانتشار الظلم والفساد والمحسوبيّة.
- عدم المساوة في توزيع الدخل بين الأفراد على المستوى المحليّ أو الوطنيّ، بحيث يختلف الدخل باختلاف العرق أو الجنس أو غير ذلك.
- عدم المساوة في توزيع الموارد والممتلكات كالأراضي والمباني بين الأفراد.
- عدم المساوة في توزيع فرص العمل بأجر.
- عدم المساوة في الحصول على فرص التعليم، وعلى الخدمات التعليميّة المختلفة كالإنترنت والكتب.
- عدم المساوة في توزيع خدمات الضمان الاجتماعيّ والخدمات الصحيّة.
مفهوم العدالة الاجتماعيّة في الإسلام
اهتم الإسلام بمسألة تحقيق العدالة الاجتماعيّة من خلال منظومة متكاملة شاملة لجميع جوانب حياة النّاس، ولم تأتِ شريعةٌ من الشّرائع السّماويّة حقيقةً بما أتى به الإسلام، فالإسلام يؤكّد على مبدأ التّشاركيّة والمساواة في الحقوق من خلال التأكيد على شراكة النّاس في أهمّ موارد البيئة وهي الماء والكلأ والنّار كذلك يشرع عبادات كالزّكاة والصّدقة ويرتّب مسائل كالنّذور والكفّارات والوقف تضمن للمجتمع الإسلامي أن يعيش وفق أرقى معايير العدالة الاجتماعيّة وأرقاها، كما حرص الإسلام على إزالة الفوارق الفاحشة بين طبقات النّاس، من خلال حثّ الجميع على العمل والإنتاج وتأمين الحرّيّة لهم لممارسة تجاراتهم وأعمالهم بعيداً عن الاحتكار المجرّم، أو الاستئثار المعيب.
الإمام علي عليه السلام والعدالة الاجتماعية
سعى الإمام علي (عليه السلام) منذ اللحظات الأولى لوصوله إلى الحكم نحو ترسيخ أُسس العدالة في المجتمع الإسلامي، فحارب الفقر محاربةً لا هوادة فيها، وعمِلَ على إعطاء أصحاب الفيء حقوقهم، وساوى بين الجميع في العطاء، وأمر أصحاب الأموال والثروات بدفع ما عليهم من حقوقٍ إلى بيت المال، ثمّ ندّد بأولئك الذين يأكلون الأموال بالباطل سواء بالغصب أو بالسرقة أو بالاحتكار أو الرشوة، واعتبر أن أعظم الجرائم اغتصاب مال الله من بيت المال الذي هو حقّ الأيتام والفقراء والمساكين، وحاسب هؤلاء حساباً يسيراً، وطبّق عليهم مبدأ من أين لك هذا.
وبهذا غدا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أعظم نموذج للعدالة والمساواة وواحداً من روادها الذين لم يعرف لهم التاريخ نظيراً، جاء في كلام ابن الأثير المؤرّخ المعروف في وصف عدالة (الإمام عليه السلام) "إنّ زهده وعدله لا يمكن استقصاؤهما، وماذا يقول القائل في عدل خليفةٍ يجد في مالٍ جاءه من أصفهان رغيفاً فيقسِّمه أجزاء كما قسّم المال، ويجعل على كل جزء جزء، ويساوي بين الناس في العطاء، ويأخذ كأحدهم".
ولم يكن اهتمام علي عليه السلام بقضية العدالة الاجتماعية بمحض الصدفة، بل إنّ ذلك يرتبط ارتباطا وثيقاً بالأوضاع الفاسدة التي آلت إليها حالة العالم الإسلامي آنذاك نتيجةً لتلك السياسات الفاسدة من قبل الحكّام الذين ميزوا بين الناس في العطاء.
لهذا نجد أن الإمام علي (عليه السلام) يعبِّر عن هذه الحالة في اللحظة الأولى لاستلامه الحكم محدِّداً الأهداف الأساسية لقبوله بالتصدي للخلافة: "اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ الَّذِي كَانَ مِنَّا مُنَافَسَةً فِي سُلْطَانٍ، وَلَا الْتِمَاسَ شَيْءٍ مِنْ فُضُولِ الْحُطَامِ، وَلَكِنْ لِنَرِدَ الْمَعَالِمَ مِنْ دِينِكَ وَنُظْهِرَ الْإِصْلَاحَ فِي بِلَادِكَ فَيَأْمَنَ الْمَظْلُومُونَ مِنْ عِبَادِكَ وَتُقَامَ الْمُعَطَّلَةُ مِنْ حُدُودِكَ".
سلك الإمام علي عليه السلام منهجاً مدروساً ومنتزعاً من الواقع الذي كان يعانيه المجتمع الإسلامي من أجل تحقيق الأهداف السامية التي عمل على تطبيقها بين الناس للقضاء على الظواهر المَرَضيّة التي حلّت في الدولة الإسلامية، ومن هذا المنطلق كان قبول الإمام (عليه السلام).
ويقول من خطبة له:
(من استهان بالأمانة ورتع في الخيانة ولم ينزّه نفسه ودينه عنها فقد أحل بنفسه الذل والخزي في الدنيا وهو في الآخرة أذل وأخزى وإن أعظم الخيانة خيانة الأمة وأفظع الغش غش الأئمة).
وعند خروجه من البصرة قال:
(ما تنقمون مني وأشار إلى قميصه والله انه من غزل أهلي. ما تنقمون مني يا أهل البصرة وأشار إلى صرة في يده فيها نفقته والله ما هي إلا من غلتي في المدينة وإن خرجت عنكم بأكثر مما ترون فأنا عند الله من الخائنين).
ومن خطبة له (عليه السلام):
(ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك ولكن أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبراً ولا ادخرت من غنائمها وفراً ولا أعددت لبالي ثوبي طمراً ولا حزت من أرضها شبراً ولا أخذت منه إلا كقوت أتان دبرة ولهي في عيني أوهى من عفصة مقرة).
(هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع أو أبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى أو أكون كما قال القائل:
وحسبكَ داءً أن تبيتَ ببطنةٍ *** وحولكَ أكبادٌ تحنُّ إلى القدِّ
أأقنع من نفسي بأن يقال هذا أمير المؤمنين، ولا أشاركهم في مكاره الدهر أو أكون أسوة لهم في جشوبة العيش فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها).
(إليك عني يا دنيا فحبلك على غاربك قد انسللت من مخالبك وأفلت من حبائلك)
(اعزبي عني فوا الله لا أذل فتستذلّيني ولا أسلس لك فتقوديني)
هذا هو علي النهج الإلهي المشرق الذي مثل أعظم دور في العدالة الإجتماعية في التاريخ البشري، هذه هي سياسة الحق والعدل والنبل والمساواة سياسة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهذه هي نفحة من نفحات هذا الإنسان المقدس، وقبساً من هديه، ولو سلكه المسلمون لصاروا من أرقى الأمم ولما تشتتوا وتفرقوا وعادت لهم الجاهلية الأولى، لكنهم للأسف حادوا عنه فتاهوا بغياهب الظلم وابتلوا بولاة الجور وحكام الضلال.
.......................
اضافةتعليق
التعليقات