الأخلاق والثقافة والمعرفة الدينية نستطيع أن نقيس عليها كل أمور الحياة، من سلوكيات وتصرفات، ومنها التعامل مع الآخر، ولهذا تتعدد نماذجه.
إقامة العدل يعد أهم شرط من شروط التعامل مع الناس التي أوصى الله سبحانه وتعالى بها المؤمنين.
إن بخس البائع والعامل الفقير حقه، ينشر الظلم في المجتمع ويزيد تفشي الحسد والكراهية والفقر والعوز، وهي من أكثر الصفات استبداد وجورا في يومنا هذا.
لقد حذر الله جل جلاله من بخس أشياء الناس، وذكر في القرآن رسوله شعيب عليه السلام الذي بعثه لإصلاح النفوس وإزالة هذا البخس،﴿وَلا تَبْخَسوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا﴾.
ومعنى البخس أخذ الشيء بإنقاص ودون إرادة صاحبه، أو شراء الشيء بأقل من قيمته، أو إعطاء الأجير أقل من استحقاقه ومجهوده.
ما نراه ونعيشه اليوم أنه كلما كان البائع فقيرا محتاجا يتفرعن عليه ضعفاء النفس، ومثال على ذلك أن هناك الكثير يختلف تعاملهم عندما يستأجرون سائق (التكتك) وسائق (السايبة) عن سائق السيارات الحديثة رغم أنها نفس المسافة التي تقطع، فهم مع هؤلاء ينقصون أجورهم ويبخسون حقهم مع علمهم بقيمة الأجرة المستحقة معتقدين أنها شطارة، دون أن يستوعب أن ما يفعله هو أكل حق إنسان لا حجة له ولا حيلة.
في أحد الأيام وقفت على الشارع ومجرد أن مدت يدي لإقوف سيارة وقفت سيارة وقبلها (تكتك) ونحن نعاني البطالة فهذا أمر عادي، الكثير منهم من اتخذ من السيارات ذات الجودة العالية والمتوسطة مصدر رزق له ولأولاده ويعده مشروع العمر وبين صاحب السيارة الحديثة و(أبو التوك توك) اخترت (التوكتك) حسبتها عمل انساني رغم اعتراض من معي فكنا في عجلة في أمرنا.
ومع أني ضد ظاهرة انتشار التوك توك ولأضرارها المتزايدة في الحوادث والازدحامات، يبقى صاحب هذه الآلة قد أجبرته الظروف لهذا العمل، فمن يترك وظيفة براتب جيد ويذهب (للتوكتك) إن وجدت؟، ومن يقبل أن يعمل بخردة ترتعش مع عبور المطبات وتصيبهم بألم الظهر والأرجل؟، ومن هذا المبدأ على الجميع أن يتعاطف ويتعاون مع أصحاب المركبات القديمة أو بسيطة الصنع.
إنه استعداد نفسي عند التعامل يعكس أفكار الشخص ودرجة إيمانه وانسانيته، في السابق كان الخيرين كلما بان العامل والأجير فقره زاد سخائهم معه، وهذا دعم نفسي للعامل ليمده بالأمل ويزيد من طاقته في العمل، فيعطونه أجرة فوق أجرته ويكرمونه ليروا فرحته كيف تكون ليفرحون لفرحه ويعدونه أعظم انجازاتهم، وهو انعكاس لرحمتهم وعطفهم.
مثلما ينعكس سلوك وتصرفات الأنفس الشحيحة التي كلما زاد الله من كرمه عليها تكبر وتفاخر وزاد من تبجحه واستعلى على من هم دونه بالمرتبة المادية.
ربما ظروف الحياة أجبرتهم على القبول بمنافع قليلة وتعامل مبخوس من أجل اللقمة الحلال، فلماذا البعض يعمل على نشر واستفحال ظاهرة بخس حقوقهم؟.
إن محاولة التشاطر عند معاملة الضعفاء أو التقليل من أجرة الفقراء لتوفير مبلغ بسيط ليست شجاعة أو ذكاء، بل هو سلب جزء من استحقاقه واستغلال ضعفه وقلة حيلته واحتياجه.
اضافةتعليق
التعليقات