فتاة عمرها 40 سنة، لأسباب عائلية وخاصة لم تستثمر شهادتها في الأدب الإنكليزي في العمل بالتدريس أو بغيره، وإنما قبعت في البيت تساعد والدتها في الخدمة المنزلية، وبهذا فقدت نهائياً حوافزها نحو المطالعة، وباتت إن رغبت في أن تسلي نفسها ببعض القراءات، تستعرض مجلات الفن استعراضاً سطحياً.
خلال فترة 15 سنة من حياتها الروتينية على هذا المنوال تراجعت – تراجعاً ملحوظاً – قدراتها المعرفية في استيعاب الأمور، واختزان المعلومات، وحتى في المفردات اللغوية في الاتصالات والقدرة الكتابية، فاللغة التي تستخدمها في الاتصال باتت ضحلة لا تتناسب مع درجتها الجامعية، أما اللغة الإنكليزية التي تعلمتها فقد تراجعت كثيراً في الكم والمحتوى.
من المعروف أن اللياقة البدنية تأتي من التمارين الرياضية. فالرياضة البدنية لها فوائد على المستوى البيولوجي والاستقلابي، والمناعي، والنشاط، وتأخير الشيخوخة، وتحسين الدوران، وإطالة العمر، وتأخير تلف بعض الأعضاء الحيوية في البدن، وتكافح أمراض العصيدة الشريانية والقلبية. ولكن ماذا عن الرياضة الذهنية؟
أبانت الدراسات أن اللياقة البدنية والصحة النفسية تسيران جنباً إلى جنب. فالجسم السليم في العقل السليم؛ فالمنافع القلبية – الوعائية التي تأتي من التدريبات الرياضية تؤخر التبدلات التنكسية الاستحالية في الدماغ.
وعلى غرار الصحة البدنية الجيدة، فإن جوهر قوة الدماغ تأتي من النشاط؛ فالتمارين الذهنية، والرياضية النظامية تجعل الذهن أكثر يقظة ونشاطاً، وتؤخر عملية الشيخوخة. وهناك براهين تؤكد على أن الأفراد النشيطين ذهنياً في سن متقدم، والذين يواظبون على إثارة وتنشيط قدراتهم العقلية تكون نسبة تعرضهم لاضطرابات الذاكرة أقل. من ضمن ذلك مرض الزهايمر.
في كل مرة تتعلم شيئاً جديداً، حتى لو كان ذلك كلمة واحدة جديدة، فإن هذا يحدث تبدلاً نوعياً في نهايات الخلية العصبية والنقل للسيالة العصبية يتحسن ويتزايد.
من المعروف أننا نستخدم جزءًا قليلاً (10%) من قدراتنا الفعلية، خلال مسيرة حياتنا. وهناك برهان على أن الوظيفة الدماغية قابلة للتبدل تبدلاً واضحاً، كما ونمتلك القدرات الجمة الكبيرة لتعلم الجديد، وهذا ما نسميه "المرونة العصبية".
هناك الكثير من التدريبات العقلية مثلما هناك برامج كثيرة للرياضات البدنية. من هذه التدريبات العقلية: دراسة اللغات، تنمية المفردات اللغوية وزيادتها، الألعاب الذهنية المتنوعة، القراءة والمطالعة المنتظمة وغيرها..
وكذلك فإن هناك طرقاً يومية لتدريب الذهن وتنشيطه، باستطاعتك ممارستها حسب مصادفتها. مثلاً عندما تقود سيارتك في زحمة السير، أو تكون راكباً سيارة والسير مختنق، أو واقفاً في الدور في مخزن كبير اشتريت منه بعض حاجاتك، وتنتظر دفع قيمتها، خلال ذلك:
1- انظر حولك، ركز انتباهك على الناس، والأمكنة، والأشياء التي هي في مجال رؤيتك وبصرك.
2- اعمل بصرك في الأشخاص الذين يدخلون إلى المخزن ودقق في لباسهم وأعمارهم.
3- سجل، بعد ذلك، كل الذي تتذكره مما رأيت كتمرين للذاكرة.
4- بالنسبة للألعاب الذهنية: كمقاطع الأحرف في الصحف وغيرها.
5- إن كنت تمشي في الشارع اكنس بناظريك الناس الذين يمشون على الرصيف الآخر ولاحظ السيارات التي تعبر الطريق ونوعها، واللوحات الإعلانية، وغيرها.
واعرف أن العمل المكرر والنمطي ليس هو تدريب جيد للذهن، بل عليك دوماً أن تتعامل مع شيء مثير وجديد ومتنوع، ولا تنس الحساب الذهني فهو تدريب ينشط الذهن.
من كتاب (عالج مشكلاتك النفسية بنفسك) تأليف: د. محمد الحجار
اضافةتعليق
التعليقات