مما تعلمناه وتوارثناه هو هذه المقولة بأن: "اليد الواحدة لا تصفق"، والتصفيق هنا كناية عن العجز وعدم القدرة على الانجاز أو العمل لإحداث تغيير أو تحسن في أي ميدان من ميادين الحياة إذا كان الانسان بمفرده، ولم يجد معين ومساند أو كانت الظروف حوله غير ملائمة، وبالتالي تعلمنا على ثقافة عدم وجود روح المبادرة بل وتكاسلنا وجلسنا مكتفين، بينما الذي يمد يده لله تعالى يتمكن من "التصفيق بل وأكثر" أي يُصبح ذا قدرة وعطاء لأن الله تعالى لا يَرد يد تُمد إليه بل يملأها بكرمه وفضله.
صحيح "إن يد الله مع الجماعة"، لكن إذا لم تجد هذه اليد من يتكاتف معها ويعينها في طريق الحق هنا عليها أن تكون لنفسها "جماعة"، فالأنبياء كانوا مثال واضح للعمل بهذا المبدأ لأن قلة من كان يتحمل مشاق طريق الحق وصعوبات السير فيه معهم، كما حصل مع نبي الله موسى (عليه السلام) مع قومه، كما في قوله تعالى: {قَالُواْ يَا مُوسَى... فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} [المائدة: 24] فهل تراجع نبي الله ولم يستمر، كلا! لماذا؟ لأنه لا يعول على هكذا أيادي وهكذا أعوان، بل كل اعتماده على رب الأكوان.
فها هو كتاب الله تعالى يصف خليله نبي الله إبراهيم (عليه السلام) بأنه كان" أمة" مع أنه كان فرد، لماذا؟ لأنه ارتبط بمصدر القدرة، فبلغ ما بلغ..
لذا كما يقال: "المؤمن يعيش في الدنيا ولكن يعيش وفق معادلات خاصة"، أي يعمل بالأسباب المادية لكن لا يعول عليها بشكل أساسي، بل يعول على "ببسم الله عليه توكلت وبه المستعان".
فكما إن هناك تأييد الهي بالمعاجز لخواص عباده كما حصل مع النبي المصطفى (صلى الله عليه وآله) كإنزال الملائكة كما في قوله تعالى: {وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا} [التوبة: 40]، وزمن المعاجز انتهى، لكن يمكن أن نتأمل بوجه آخر للتأييد فهناك تأييد الهي لكن من نوع آخر فهناك جنود كالملائكة غير قابلة للرؤية ولكن يمكن استشعارها لمن له قلب (فالصبر -قوة الارادة-الرضا-القناعة-العزيمة- الاصرار.. وغيرها)، هي جنود يؤيد الله تعالى بها عبده ويستشعر أثرها في السير بهذه الحياة وإن كانت لا تُرى.
لذا عندما تجف من حولك السواقي، لا تستسلم وتترك روحك تذبل بل استغث بالساقي الذي يُنزل الغيث على من يستغيث به، فهو محيي القلوب كما أحيا الأرض الميتة.
ولتكن بعد ذلك أنت ساقية تفيض بما سقاها ربها على غيرها، بل وكن كذلك البئر الذي هو في الصحراء وحيداً لكنه يحمل كنز الحياة، الذي حفظ به ليروي العطشى ممن يمرون بقربه، فارتباطك بعين الحياة وإيمانك الذي في قلبك هو كنزك الدفين لتحيا به، وتحيي به قلوب من هم في حاجة لنفحة نور وحياة ممن هم حولك.
اضافةتعليق
التعليقات