كما هو عهدها المؤسسات النسوية الفاعلة تسعى لتطوير عملها وزيادة إنتاجها بزيادة معرفتها وتلقيها العلم النافع والوصايا الحكيمة ممن حمِل العلم واستلهمه من النبع الصافي أصول العلم والمعرفة النبي الأعظم محمد وآله الأطهار صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
اجتمعت المؤسسات النسوية في لقاء مع سماحة آية الله السيد مرتضى الشيرازي لتتزود من المعارف الطيبة والعلوم النافعة لترتقي بخطواتها وتنهض بأعمالها الحاملة للخير. وذلك يوم الخميس 9 شوال 1440 المصادف 13/6/2019 م في حسينية الامام المهدي في كربلاء المقدسة.
ابتدأ حديثه سماحة السيد بالآية الكريمة: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ).
وكان محور حديثه عن أهمية التغيير والتطوير مبينا معاني الآية الكريمة بتدبر بلاغي حيث أشار إلى معاني الباء المتعددة واستخداماتها..
فقال: من المحتملات أن تكون الباء في هذه الآية باء الالصاق والتي لها دلالة كبيرة إذ تكشف، فيما تكشف، عن أن السبب في أن الناس لا يغيرون أنفسهم – عادةً – هو أن الصفة التصقت بهم فتغيير هذه الصفة الملتصقة ليس سهلا، كالجبن والبخل مثلاً، بل يحتاج إلى جهاد قوي فقوله تعالى: (لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ)، أي ما التصق بهم من الصفات والحالات.
وأشار إلى أن الكثير منّا يتقاعس عن نصرة أهل البيت، وإن غالب الناس متقاعسون عن نصرة الأئمة المعصومين، وإن تغيير هذه الصفة بحيث يتحول الفرد من حالة التقاعس إلى كتلة من النشاط والحركة والنهضوية يحتاج إلى جهد مضاعف فإن أمثال هذه الصفات تلتصق بالإنسان كما سبق من أن بعض الناس بطبعه كسول أو غضوب فيحتاج المرء إلى جهد كبير لتغييرها.
ومن هذا نكتشف لماذا البقيع لم يبنَ إلى الآن لأننا منذ 96 سنة لا نزال كما نحن لم نتغير ولم نغير ما بأنفسنا.
مثلاً: في الأسواق وفي المدارس والجامعات نرى المعاصي منتشرة فيها بل هي في ازدياد! إننا منذ 96 سنة كما نحن لم نتغير إن لم نزدد سوءاً (إلا من عصمه الله تعالى) وإذا بقينا على هذه الحال ستقع فجائع أعظم لا سمح الله.
وعوداً إلى الآية الشريفة والكلام عن الباء فيها، نقول: إن كل حرف له دلالات وينبغي أن نتوقف عندها.
وتحدث سماحته عن أن الانسان لديه صفات طارئة تسمى هذه الصفات حالة وبعضها راسخة شديدة الرسوخ بطيئة الانقلاع تسمى ملكة وإن الحالات الطارئة إذا ترسخت صارت ملكة، وهذا مثال فقهي لطيف: (كثير الشك لا يعتني بشكه) ولكن كثرة الشك على نوعين: نوع يكون حالة راسخة والقسم الثاني حالة طارئة لمدة أيام مثلاً فأيهما الذي لا يعتني بشكه؟ فموطن الكلام أن بعض الحالات طارئة فإذا ترسخت تكون ملكة لذا ينبغي أن يهندس الانسان حياته وفق هذه الآية الشريفة وحسب تقسيم الحالات والملكات.
ثم تطرق سماحته إلى أن النكتة في استخدام كلمة قوم في الآية فقال لو تدبرنا وسألنا: لماذا سبحانه وتعالى اختار هذه الكلمة دون غيرها؟ لماذا لم يقل (ما بحزب أو عشيرة أو أمة أو جمع أو جماعة أو جمهور) مثلاً لماذا انتخب هذه المفردة (ما بقوم)؟
لعل من الأسباب هو "قوم" هي نفس مادة القيام فهذه المادة تفيدنا بأن بعض الناس نيام وليس الخطاب له! أما الذي له قيام على نفسه فانه قريب للانطلاق وهو المخاطب – بالأساس – بالآية ولكنه يحتاج الى جهاد أي حتى النهضوي إن لم يغير ما بنفسه لا يغير الله ما به، فتأمل.
نقول على ضوء هذه الآية إن سر سقوط الامم ونهضة الأمم هو التهاون والتخلي عن المسؤوليات وعدم القيام بها كما ينبغي وعدم الاهتمام بحقوق الآخرين، نحتاج إلى مؤتمرات للانقاذ ونظريات متكاملة ومراكز دراسات وكثير من الأمور الأخرى، لكن نشير هنا إلى بعض منها:
الأمر الأول: تشير إليه معادلة رياضية بسيطة وهي (الفائدة المركبة) وهو بحث رياضي ابتنى عليه بحث اقتصادي فإنه قد يكون التصاعد مركّبا أو أُسّيا وقد يكون حسابيا، كما لو وضعت مبلغاً في مصرِف بفائدة 7% سنوياً بزيادة بفائدةٍ مركبة (وطبعاً الربا حرام)، أن أصل البحث اقتصادي ثم جاء العلماء فطبقوا هذه المعادلة على أمور كثيرة محرمة ومحللة فمثلاً الزيادة السكانية، فإن النمو السكاني يتزايد بنحو الزيادة المركّبة لا البسيطة وكذلك الأعمال والخدمات، مثال آخر: إذا قرر شخص أن يتحسن سنويا 7 % بنحو الزيادة المركبة بعد عشر سنوات حاله يكون أفضل بكثير جداً، ومثلاً إنْ فرضنا أن 100 ناشطة عملت بنحو الزيادة المركبة خلال عشر سنوات فكم سوف يتضاعف العدد؟
إن التطور والتغيير تدريجي على طريقة الفائدة المركبة لكنه مهم وأساسي فإذا قررتم كل شهر مثلاً أن تتحسن ذاكرتكم 7% بنحو الزيادة المركبة فستصل ذاكرتكم إلى مرحلة متطورة عالية، وكذلك لتحسين الصحة هنالك طرق صحية منها المشي السريع، إذ إن سبحانه تعالى خلق سبلا لتحسين حتى الصحة للكبير فكيف بالشاب، والشاهد أنه: اجعلوا لأنفسكم هدف التحسن في صحتكم شهرياً بنسبة 7% كي يمكنكم العمل والخدمة بشكل أفضل.
وفي المقابل: فإننا عموما استصحابيين، يعني إبقاء ما كان على ماكان فالمشكلة هي أنّا نستصحب الحالة نفسها، العام الماضي مثلا كنت متواضع وهذا العام أيضا نفس الحال لم يزدد شيئا، مثلا أحدهم قدم قبل سنة دراسة متميزة وقدم الآن دراسة أخرى ولكنه لم يزدد تميّزاً، المشكلة هنا الاستصحاب!!.
قاعدة 7% مفيدة جدا تجري في كل مكان لو طبقناها والتزمنا بها.. وهي أن يكون التغيير تدريجياً على نحو الزيادة المركبة.
الأمر الثاني: هنالك مصطلح معروف هو الأواني المستطرقة، ونستفيد منه في علم الاجتماع أيضاً وهو: أن الاصلاح كلًّ لا يتجزأ بل كل أمر مرتبط بآخر نظير الأقل والأكثر الارتباطيين، كل الأجزاء مرتبطة ببعضها فإن لم تأت بالكل فأنت لم تفعل شيئاً فمثلاً من الارتباطيات (الصوم) فلو صام شخص كل اليوم ولكنه أفطر في دقيقة واحدة فقط فإنه لا ينفعه صومه أبداً! إن بعض الحقائق ارتباطية وبعضها استقلالية: الاقتصاد مرتبط بالسياسة وهما مترابطان وترتبط المدارس بهما وهكذا..
فلو كانت هناك نافذة بها فتحات تدخل منها الحيات أو العناكب أو الذباب فقمنا بغلق الفتحات وتركنا واحدة فهل عالجنا الأمر؟ في العراق مثلاً كل شيء خراب في خراب لماذا؟ لأن كل أمر متعلق بالآخر: الزراعة والصناعة والاقتصاد والسياسة وكذلك التعليم في المدارس والجامعات، وأي نقص أو خراب في أحدها فإنه يسري إلى الآخر.
فحسب بعض الإحصاءات؛ العراق يعاني من نقص في المدارس بمقدار خمسة آلاف مدرسة!، و600 مدرسة منها نقص في كربلاء، وكذلك كل المستشفيات الموجودة في بغداد هي 32 مستشفى!! مع أنها عاصمة كبيرة! فكم تحتاج بغداد؟ حسب الاحصائيات 72 مستشفى!.
مثال آخر: كل طفل يولد في العراق فإنه يولد وهو مديون 3000 دولار!! لأن العراق رغم ثرواته فإن دينه الخارجي والداخلي تقريبا 110 بليارات دولار وهي تقسم، واقعياً، على نفوس الناس، بل الغريب إنه بدل أن تتوزع أرباح النفط تذهب للديون وكلما يكبر الطفل تزداد الديون وهكذا.
كما أنه حسب الاحصاء الرسمي فإن الأطعمة التي ترمى بالنفايات في بغداد يومياً تكفي لمليوني ونصف انسان ليوم كامل! وهو إسراف غريب شديد، وكل تلك الأمثلة تبين أن النظام كله لا يسير بشكل صحيح مضبوط فكيف تكون أوضاعنا أفضل؟.
ولكن إن عجز الانسان عن الاصلاح الشامل فإنه لا يعجز عن التوجيه، إنطلقوا إلى ما هو أقرب إليكم وهو المدارس، فإن المدارس عماد المستقبل فليكن عملكم الأساسي التربية.
في المدرسة الأهلية يكون فيها لكم مساحة من الحرية تستطيعون تقديم الفائدة منها فالمدرسة فيها نفع معنوي ومادي، أسسوا مدارس مثالية انتخبوا لها أفضل شيء، ففي هذه المسألة لا تكونوا استصحابيين تقولون: فكما أن أهلنا لم يفعلوا ذلك فنحن كذلك نكون مثلهم!، وهذا غير صحيح، فلا بد من التغيير والنهوض.
ختم حديثه سماحة السيد مرتضى الشيرازي بالوصايا الحكيمة وشحذ همم المؤسسات النسوية داعياً لهن بالخير والتوفيق.
اضافةتعليق
التعليقات