حين تلوح أعلام الحُزن في كربلاء فتُنبىء عن خطبِ جليل عظُم في السماوات والأرض، تحتاج النفس البشرية أن تسمو وترتقي في سُلم من نور مُتسامية عن كل مُدلهمات الدنيا وأهوائها لتقرأ هذا الحزن وتستشعره فيصنع منها أُمةً واعيةً تدعو لجيلِ مُصلح شعاره (مثلي لا يُبايع مثله) في القول والفعل ..
وإيماناً منا أن لشهر محرم الحرام خصوصية في بناء الفرد بناءاً حُسينياً يؤمن بالتغيير والإصلاح أقامت جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية دورة الكترونية بعنوان (وهل الدين إلا الحب) استعداداً لشهر محرم الحرام من أجل شحذ الهمة الروحية وإعدادها إعداداً صحيحاً لا يشوبه شائبة.
في هذه الرحلة العاشورائية التي كانت على مدى ثلاثة أيام بواقع ساعتين في اليوم والتي إبتدأت يوم 29 ذي الحجة 1441 هـ المُوافق 19 /8 /2020 م من تقديم الكاتبة المُتألقة فهيمة رضا كانت تهدف لتوجيه أجمل ما أودعه الله فينا (الحب) التوجيه الذي يصنع جوهرنا الانساني والفطري فيجعلنا قادرين على البناء، العطاء والاستمرار.
فـ الغرائز والعواطف التي أودعها الله فينا وفطرنا عليها هي خير لنا شريطة أن نوجهها في الإتجاه الصحيح فغريزة الغضب مثلاً هي بكل تأكيد خير للإنسان عندما يغضب لله أو إنتصاراً للحق وهكذا بقية المشاعر التي تشتمل عليها بواطن الإنسان.
إنطلاقة الرحلة كانت عند حديث الكساء حيث قال تعالى: (إني ما خلقتُ سماء مبنية إلا لأجلكم).
وفي آية قُرآنية نرى أن عظم الرسالة السماوية كان أجرها شيئاً واحداً فقط وهو: المودة !
والسؤال الذي قد يتبادر للأذهان أن الثمن يجب أن يكون مكافىء لهذا الأمر العظيم والجلي فما كان أجر الرسالة المحمدية الخالدة؟!
كان الأجر: مودة أهل بيته فقط!
ثم تابعت رضا الحديث حول الفطرة الانسانية حيث قالت: أن الإنسان مجبول على حب ذاته ومن أحبّ ذاته حقاً وصدقاً فلا بدّ أن يحب ربه وأن لا يعصيه طرفة عين أبداً لأن عصيانه لربه فيه تعريض النفس للمهالك فمن أحبّ نفسه أحبّ ربه كما أنّ من عرف نفسه عرف ربه، وهم مصداق لهذا الحب .
وقالت: أن الله تعالى هو ملهم الحب ومصدره الأول ومن أسمائه عز وجل "الحبيب" وحبه تعالى وإن كان لا يتجزأ ولا يُحَدُّ ولا يوصف كما هو الحال في سائر صفاته لكن هذا الحبَّ من جهتنا نحن.
من الذي ذاق حلاوة حبك فرام عنك بدلاً؟
بعد بيان أجمل معاني هذه المفردة المقدسة والعظيمة وكيف أنها الوقود الذي يقود الفرد نحو الكمال الإنساني عرجت لتناول الصورة المُشوهة التي يحاول عالم العولمة اليوم الترويج لها مُبينة خطورة هذه الصورة على الفرد وحياته وكيف أنها المعول الهادم لأهم أُسس التربية وهي الأسرة فعالم اليوم يروج لماذا؟
المُتتبع لـ إعلانات الغسيل، التنظيف، التجميل وغيرها يرى أن جميعها تستهدف أمراً واحداً فقط وهو جسد المرأة، فالإعلام اليوم يصنع ويروج لوهم الحب من خلال المسلسلات وغيرها من الأمور التي صارت تغزو عالمنا وتُجرده من كل مبادئه تحت عنوان الحب !!
جميل أن يتحلى المؤمن بفكر متنور فيكون ذا رؤية ذكية تمكنه من التفريق بين الحب الحقيقي والحب الوهمي
حتى لا يقع في شباكه وبالتالي يخسر الكثير والذي لا يمكن تعويضه!
فـ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السَّلام) أنهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه و آله): " وُدُّ الْمُؤْمِنِ لِلْمُؤْمِنِ فِي اللَّهِ مِنْ أَعْظَمِ شُعَبِ الْإِيمَانِ، أَلَا وَ مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَأَعْطَى فِي اللَّهِ، وَمَنَعَ فِي اللَّهِ، فَهُوَ مِنْ أَصْفِيَاءِ اللَّهِ.
بعد تناول مفردة الحب ومعانيها وتأثيرها الجوهري في حياة الانسانية وبيان الحب الحقيقي الذي كان أساس الدعوة المحمدية واختلافه عن وهم الحب الذي يُروج إليه من أجل إنحراف الفرد عن جادة الصواب، حلقت بنا رحلة الحب لمنعطفه الحقيقي إذ لا بد لهذه المفردة أن تتجلى بـ (صورة) متكاملة وعلى جميع الأصعدة بالشكل الذي يريده الله ورسوله ..
وقد ينقدح السؤال في القلوب قبل العقول عن هذه الصورة وماهيتها وصفاتها الفريدة حيث قالت رضا:
إن أقدس لغات الحب بل الممثل الحقيقي لها هي: عاشوراء إذ علَّم فيها النفس الأنسانية أبلغ الدروس في البذل إن كان في سبيل رضا الله وإقامة دينه: (هون ما نزل بي إنه بعين الله)
فعندما يسقط أصحاب الحسين (عليهم السلام) وأبناؤه صرعى على رمضاء كربلاء يخرج الحسين (عليه السلام) إلى جيش عمر بن سعد لعنة الله عليه طالباً منهم أن يسقوا الطفل الرضيع، لأنّ العطش أخذ منه مأخذاً عظيماً، وكان ما كان، أن يرميه حرملة بن كاهل الأسدي بسهم ويذبحه من الوريد إلى الوريد وهو في حجر والده، فماذا يكون موقف الحسين (عليه السلام) بعد أن يَرمي دمَ رضيعه نحو السماء؟
هل يبكي أو يشكو أو يجزع أو يتراجع؟ كلا، بل إنه يتوجه إلى الله ليخاطبه بكلمات العشق التي لا نظير لها: "هوّن علي ما نزل بي أنه بعين الله" ما أصعبه من موقف! أن يذبح رضيعك في حجرك! ولكن ما أعظمه من يقين حين تتلقاه بـ "هون ما نزل بي أنه بعين الله"!
إنّ أروع ما في عاشوراء هو مشاهد العشق والحب لله وفي الله والتي نراها في معسكر الإمام الحسين (عليه السلام) حيث يغدو الموت في سبيل الله سعادة، وفي نصرته أحلى من الشهد، وإني أُحامي أبداً عن ديني!.
الصور التي تجلت في يوم عاشوراء كانت ولا تزال دستوراً الهياً لكل من يروم أن يكون إنساناً حُرا في هذه الدنيا، أما على المؤمن فهي الحجة البالغة التي اُلقيت عليه فلم تُبقي له عذراً سوى العمل والسعي فـ (ليس للإنسان إلا ما سعى) ..
بعدها إنتقلت الأستاذة فهيمة لمحطة أُخرى من محطات هذا الحب وهي (الأنصار)، رغم قلتها إلا أنها كانت الفئة الغالبة، وليس على وجه الأرض خيراً منها، ولأننا مُنذ الأزل نُردد ياليتنا كنا معكم، كان لابد من الوقوف على أهم مميزاتها حتى ندرك فيضاً من بركاتها وحُسن عملها ولـ تكون حُسينياً في القول والعمل لابد لك من أمور عدة بعضها :
١- معرفة امام الزمان
٢ - الطاعة إليه
٣ - نكران الذات والهوى أمام الإمام المفترض الطاعة
٤- التفاني
٥- الصبر
٦- الاخلاص
بعدها كان الختام عند بيان أهم آثار هذا الحب إذا ما إتسم به العبد وكان ميزانه في أفعاله ..
ومنها :
١- يمنحنا الأمن والاطمئنان (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)، فمهما واجهنا من صعوبات يبقى حب الله هو أنيسنا، يروى عن الإمام الحسين (عليه السلام) أنه قال في دعائه لي يوم عرفة: ماذا وجد من فقدك؟ وما الذي فقد من وجدك؟
ولهذا فإنّ لسان حال المحب على الدوام :
فليتك تحلو والحياة مريرة.. وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر.. وبيني وبين العالمين خراب ..
٢- يمنحنا الانضباط العملي والسلوكي لأنّ المحبَّ لا يمكن أن يغضب أو يزعج حبيبه (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وقد نسب إلى الإمام الصادق(عليه السلام) بيتان من الشعر :
تعصى الإله وأنت تظهر .. حبه هذا لعمرك من الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته .. إنّ المحب لمن يحب مطيع ..
٣- يدفعنا لنحب كل من أحبَّ الله وأحبّه الله بعيداً عن الهوى والعصبية..
ثم أكملت فقالت:
أنَّ تحب أولياء الله وهم رسله وحججه على العباد لأنهم (عليهم السلام) "أحباء الله وأودائه" بل لأنهم "الأدلاء على الله" وهم يُدلونك ويأخذون بيدك نحو طريق الحب الإلهي ..
فـ حب أولياء الله لا يحتاج إلى وصايا خاصة من أحد فهم بما يمتلكون من جاذبية روحانية وأخلاقية سوف يدخلون القلوب بدون استئذان وذلك هو سرّ إمامتهم وولايتهم ..
ولهذا يجد المُتبحر في نصّ رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله) قوام الإيمان ورصانته وأساسه حين قال (صلى الله عليه وآله وسلم): حسين مني وأنا من حسين أحب الله من أحب حسيناً!.
ومن الجدير بالذكر أنّ جمعية المودة والازدهار للتنمية النسوية تسعى لدعم المرأة فكريا ورفع مستواها الثقافي لتكون لها بصمة في المجتمع، تستطيع من خلالها أن تنهض بواقعها المعنوي والمادي.
اضافةتعليق
التعليقات