إن الإنسان لا يستطيع أن يعيش إلا إذا عرف أن لحياته معنى، فنحن لا نتعامل مع الأشياء المختلفة باعتبار ما هي عليه، لكننا نتعامل معها من خلال ما تعنيه بالنسبة إلينا، أي أننا لا نتعامل مع أشياء مجردة.. بل نعرفها ونتعامل معها من خلال نواتنا. حتى إذا نظرنا إلى جوهر أي خبرة من خبراتنا اليومية، فإن هذا الجوهر سيكون متأثراً بوجهة نظرنا الإنسانية، فالخشب مثلاً له معنى مرتبط بنا كبشر، كما أن كلمة حجر لها معنى فقط كعامل من العوامل المؤثرة في الحياة البشرية.
وكل شخص يحاول أن يأخذ في الاعتبار الظروف المحيطة باستبعاد المعاني المرتبطة بها، فإنه سيواجه بسوء الحظ لأنه سيعزل نفسه عن الآخرين، وأفعاله ستصبح عديمة الفائدة لنفسه ولأي شخص آخر، أي أن هذا الشخص سيصبح عديم المعنى.
لكن علينا أن نتذكر أنه لا يوجد إنسان بشري واحد يستطيع أن يهرب من المعاني فإن تعرفنا على الحقائق المحيطة بنا يتم من خلال المعنى الذي نلصقه بهذه الحقائق، وليس بما هي عليه فعلاً ولكن بما فهمناه منها .
ولهذا فمن الطبيعي أن نستنتج أن المعنى ما هو إلا شيء ناقص وغير مُنتَه، بل إننا نستطيع أن نقول إن المعنى لا يمكن أن يكون على صواب دائماً، وعلى هذا فإن مملكة المعاني ما هي إلا مملكة للأخطاء.
ما معنى الحياة؟
"فإنه من المرجح أن لا يتمكن ذلك الشخص من الإجابة عن هذا التساؤل، لأن معظم البشر لا يُصدعون رءوسهم بمثل هذه المواضيع، ورغم أن هذا السؤال قديم قدم الإنسان نفسه... فإن الشباب في وقتنا هذا - وحتى كبار السن – يطالبون بالحصول على إجابة له، ورغم أنهم لا يتساءلون مثل هذه التساؤلات إلا إذا حاق بهم ضرر أو أصابهم مكروه فإنه لا مناص من توجيه مثل هذا السؤال .
فلو أننا صممنا أذنينا، وأبقينا عيوننا مفتوحة لنلاحظ كل فعل ونركز على معناه، فإننا سنجد أن كل فرد قد قام بتشكيل معادلة خاصة به - ومختلفة عن معادلات الأفراد الآخرين - للإجابة عن هذا التساؤل، وسوف نلاحظ الشيء المهم الآتي :
وهو أن كل آرائهم وطرقهم في التصرف، وكل حركاتهم وتعبيراتهم وآدابهم، وكل طموحاتهم وعاداتهم، وأيضاً كل صفاتهم الشخصية تتفق مع المعادلة التي صاغوها لأنفسهم، فإن كل شخص يتصرف وكأنه يستطيع أن يعتمد على معنى محدد للحياة، وكل أفعاله تُظهر بوضوح طريقة فهمه للعالم ولنفسه ولمعنى الحياة، فهي في ذلك مثلها مثل قرار نهائي صدر عن إحدى المحاكم.
أنا كذلك .. وسأكون بهذه الطريقة، والعالم والكون كله كذلك ... وسيكون بتلك الطريقة " .
وهكذا سيكون هناك معنى لنفسه ومعنى منسوبا للحياة .
هناك العديد من المعاني المختلفة التي يمكن نسبتها إلى الشيء الواحد في حياتنا، وكما سبق وقلنا فإن كل معنى يحمل بعض الخطأ في طياته، وعلى هذا فلا يوجد شخص أياً كان يعرف المعنى الحقيقي المطلق للحياة، ولهذا أيضا فإن أي معنى لا يمكن أن يكون سليماً تماماً أو خطأ تماماً .
إذن كل المعاني ما هي إلا نسخ متنوعة ومختلفة تتراوح بين الخطأ والصواب، ويكون اختيارنا لبعض هذه النسخ المتنوعة لأنها أكثر ملاءمة لنا من غيرها، فهي - من وجهة نظرنا - تحتوي على نسبة خطأ قليلة جداً، ولهذا فإنها تلائمنا أكثر، أما بعضها الآخر فيكون من الواضح أنه أقل ملاءمة لنا .
ويمكننا - إذا دققنا النظر - أن نكتشف وجود العوامل المشتركة بين النسخ المتنوعة التي تلائمنا كما أنه يمكننا أن نكتشف الفروق الواضحة بين النسخ المتنوعة التي لا تلائمنا، ويجب أن نتذكر دائماً أن ما هو حقيقي يكون حقيقياً بالنسبة إلى كل البشر لكل أغراضهم وأهدافهم، وأنه لا توجد حقيقة أخرى غير تلك الحقيقة وحتى بفرض وجود حقيقة أخرى فإنها ستكون غير ذات قيمة بالنسبة إلينا، وليس لها أي معنى.
اضافةتعليق
التعليقات