تعتبر حالة الخوف من التغيير من أكثر الحالات التي تدمر حياة الإنسان... فمن اعتاد على وطن ومنزل وعمل وبنى علاقات اجتماعية واقتصادية فإنه يستصعب تغيير ذلك حتى ولو كان يشكو من صعوبة الحياة فيها... ويعود السبب إلى الخوف من المستقبل.
إن الخوف يكبّل طموحات الإنسان ويجعله في سجن داخلي ضمن نفسه ومحيطه..
ثم أنّ الواقع يدلنا على أن الذين غيروا في نمط حياتهم كانوا من أكثر الناس نجاحاً، فلماذا الخوف؟
وللتغلب على الخوف لا بد من الإرادة والتصميم والاقتحام، فعن الإمام علي عليه السلام: "إذا هبت أمراً فقع فيه".
ونستطيع القول أن الخوف الإيجابي مهم للتغيير الداخلي، أما الخوف السلبي فهو يقعد بالإنسان عن الكمال.
التسويف
وهو التأجيل والمماطلة في التغيير بأن يقول لنفسه: سوف أتغير بعد ذهابي إلى الحج أو تقول الفتاة: سوف ألبس الحجاب الشرعي بعد الزواج.
وهو من تسويلات النفس العاجزة، فعن الإمام علي عليه السلام: "فلا تقل غداً وبعد غد، فإنما هلك من كان قبلك بإقامتهم على الأماني والتسويف حتى أتاهم أمر الله وهم غافلون".
عن الإمام الجواد عليه السلام: "تأخير التوبة اغترار، وطول التسويف حسرة".
إن الإنسان المؤمن هو الذي يملك قراراً حاسماً لا تأجيل فيه، فإن الله يقول: "فإذا عزمت فتوكل على الله".
متى يحصل التغيير؟
إنّ أحوال الناس متفاوتة في شأن التغيير، فمنهم من يتغير بإرادته بعد شعوره بضرورة ذلك، ومنهم من يتغير عند البلاء أو الصدمة.
ولكن الحال الأساسية هي الشعور الذاتي والاحتراق القلبي بضرورة التغيير.
فمثلاً: إنّ بعض الفتيات يعترفن بوجوب الالتزام باللباس الشرعي ومع ذلك لا يقدمن على الحجاب، والسبب هو أن القناعة الفكرية لم تكن حافزاً نحو التغيير، ثم نجد أن بعضهن يلتزمن بعد شعورهن بحالة روحانية أثناء الصوم أو حضور مجالس العزاء أو زيارة قبور المعصومين عليهم السلام فيكون التزامهن بعد تحول القناعة الفكرية إلى حالة قلبية وجدانية.
ومن هنا كانت مرحلة الشباب أخصب مراحل التغيير، وذلك لأن قلب الشاب أكثر تأثراً.
مواقف وحالات تغيّر النفس
يصطدم الإنسان ببعض المواقف الإنسانية والعاطفية، فتهزّه من الداخل وتحرك مشاعره وتوقظه من غفلته.. ومن ذلك:
الحر الرياحي: كان الحر الرياحي من قادة الجيش الذي جاء لمحاصرة الإمام الحسين عليه السلام، وكان يرى بعينيه ما يجري على الإمام الحسين عليه السلام، وعياله وأصحابه. حتى كان اليوم العاشر من محرم، وبدأت المعركة، وإذا بهذا القائد الذي كان بقوة ألف فارس يقف متفكراً في مصيره في الآخرة ويقول: "إني أخيّر نفسي بين الجنة والنار". ثم يلتحق بالإمام الحسين عليه السلام تائباً نادماً...
إنه موقف إنساني.. لقد رأى غربة الإمام الحسين عليه السلام ووحدته فتبدل حاله، وانقلب من موقع القائد إلى موقع الجندي المستبسل طلباً للشهادة.
ولو أردنا أن نصور اللحظات التي مرت على الحر لرأينا أنها أحرج اللحظات... فالله تعالى يعلم ما ساوره من قلق وألم ووجع قبل التحاقه بالإمام الحسين عليه السلام، وكأنها آلام ما قبل الولادة الروحية.
إنها حرب نفسية بدأت داخل الحر وكانت بعدها الحرب العسكرية، وكان الانتصار..
إنتصار الحرية على العبودية، والاختيار على الإجبار، والنور على الظلام.
اضافةتعليق
التعليقات