يشير البعض بأن من أهم الصفات التي يجب أن تتوفر بالشخص الإعلامي هو الذكاء الحاد، فكلما كان الإنسان ذكيا كلما استطاع التنبؤ بالأحداث والوصول إلى الحقيقية ونقلها إلى المتابع.
ولكن هل دائما يحصل أن يكون الذكاء هو معبر للمصداقية فقط؟، وهل يحدث أن يستغل الانسان ذكاءه لمصالحه الشخصية وتغيير ملامح الحقيقة كي تتناسب مع أهدافه الخاصة!.
مثلما هنالك سّراق للمال، هناك سرّاق للحقيقة، وبالتأكيد السرقة تحتاج إلى تخطيط وتفكير وتنفيذ وكل هذه العمليات لن تكتمل وتصل إلى النجاح ما لم يتمتع الفرد بالذكاء.
ومع بالغ الأسف هنالك فئات معينة من الإعلاميين الذين استغلوا ثقة المشاهد وحرفوا الحقائق وشوهوا الكثير من الصور والمعلومات من أجل المال والمنصب، وتمكنوا من الوصول إلى أهدافهم الخبيثة واشباع مصالحهم الشخصية.
كما أن بعض الأشخاص ليسوا سوى أدوات نرد يستغل ذكاءهم من قبل جهات معينة لها أهداف ضالة كبرى، تصل إلى زعزعة دولية وتحريف وقائع خطيرة على قنوات لها رقم هائل من المتابعين، وهؤلاء بالذات خطرهم أكبر وأعظم، لأن التلاعب بالحقائق هي بهدف ضرب استقرار على صعيد دولة كاملة أو تصدير أفكار منحرفة من خلال أخبار كاذبة تؤدي إلى زعزعة الوضع الداخلي.
ويؤكد الكاتب فرانسوا جيري في كتابه قاموس التضليل الإعلامي بأن عملية التضليل الإعلامي تتم دائما بصورة واعية، من أجل صياغة رأي عام مؤيد لأولئك الذين يصدر عنهم.
“وإن التضليل الإعلامي قديم قدم الإعلام. والمراوغة والنفاق والخداع تمسّ العلاقات الاجتماعية والدولية. وجميع رؤساء الدول يعملون على تعزيز سلطتهم عبر قدرتهم على ضمّ المعلومات الجيّدة لرصيدهم واستخدام التضليل الإعلامي بكل الأشكال ضد أعدائهم وخصومهم، بل وأحيانا أصدقائهم.
وكانت النتيجة دائما واحدة، وتتمثل في “تشوّش” الرأي العام و” تخريب” أسس الديمقراطية التي عليها، كما يؤكد المؤلف، أن تعيد تأكيد “دور الإعلام وقيمة المعرفة” كشرط لا بد منه من أجل بقائها.
وقد أصبح من الشائع الحديث عن وجود “تضليل إعلامي” من قبل أولئك الذين يعتبرون أنفسهم “ضحايا” لخصوم يلقون عليهم مسؤولية “حبك مؤامرات” في السر. مثل هذا الواقع وجد أصداءه في مختلف الميادين الاستراتيجية العسكرية منها والسياسية والاقتصادية".
وعلى كل حال هذا العالم ليس عالماً مثالياً، ولا يعمه السلام والعدالة، كما أنه لا يخلو من الكذب، والحقيقة لا تأخذ مجراها الصحيح دائماً، فمادام هنالك صدق، إذن هنالك كذب وتضليل ودجل، ونستطيع أن نقول بأن تضارب المصالح واختلافها وتضادها يجعل من التضليل الإعلامي سلاحاً فعالاً في الصراعات خصوصاً في ظل الظروف السياسية الصعبة، والتوتر الأمني الذي تعيشه البلدان العربية وخصوصاً العراق، فغالباً ما يتم ذلك عبر أسلوب القوة الناعمة، التي تؤثر ببطء وعلى المدى الطويل، وتترك آثاراً فكرية بالغة، دون أن يلاحظها الكثيرون، فإذا اتسعت دائرة الكذب والتضليل وتزييف الحقائق على نطاق المجتمعات من الممكن أن تسبب مشاكل كبيرة، وحتى حروب وعداءات قومية ومذهبية، لن يزول تأثيرها على المدى الطويل. فالسلاح الأول لتصدي هذه الهجمات:
الوعي التام، والذكاء الخبري عند تلقي المعلومات والأخبار، إضافة إلى الرقابة التي تفرضها الجهات المسؤولة قبل صدور الخبر، وفرض عقوبات وخيمة للجهات التي تصنع الخبر الكاذب وتشجع على ترويجه، ورقابة القنوات رقابة شديدة، ومعاقبة الإعلاميين الذين يحاولون استغلال ذكاءهم في خداع المتابعين وتوقيفهم عن العمل، ومحاسبة المسؤولين أشد الحساب، وذلك لتجنب الوقوع في مصيدة التزييف والتضليل الإعلامي الذي يعتبر العامل الأول والفعال في نخر المجتمعات والرجوع بها إلى الوراء.
اضافةتعليق
التعليقات