يرى المغرضون والمبغضون للدين الاسلامي أن فكرة المنقذ ما هي إلا أساطير وأوهام نسجها المسلمون كنوعٍ من التعويض بسبب الظلم والحرمان الذي تتعرض له بلادهم، وأن هذه الفكرة تخفف عنهم حدة الوطأة وتساعدهم على تحمل المشاق والمضي قدمًا على أملِ أن يأتي ذلك المنقد والمصلح فينتشل العالم من الحضيض.
ولكن على العكس تمامًا، فلو أرجعنا شريط الزمن للوراء، إلى ما قبل العصور الإسلامية.. حيث الديانات السابقة، سنرى أن عقيدة الرجل المنقذ قد نفذت في أغلب الديانات والتوجهات الفكرية.
فقد آمن بها اليهود «إنهم ـ أي اليهود- ينتظرون قائمًا من ولد داوود النبي إذا حرَّكَ شفتيهِ بالدعاء ماتت جميعُ الأمم، وإن هذا المنتَظَر بزعمهم هو المسيح الذي وُعِدوا به»(١)، وآمنَ النصَّارى بعودة عيسى المسيح (ع) كما صرَّحت به أناجيلهم فقد جاء في إنجيل متَّى: «كونوا أيضًا مستعدين لإنه في ساعةٍ لا تظنون يأتي ابن الإنسان»(٢)، وكذلك صرحت أناجيلهم الأخرى مثل إنجيل يوحنَّا(٣)، وإنجيل لوقا وإنجيل مرقس وإنجيل برنابـا.
وآمنَ بها الزرادشتيون بعودة بهرام شاه، ومسيحيو الأحباش بعودة مَلِكهم تيودور، والهنود بعودة فيشنوى، والمجوس بعودة أوشيدر والبوذ في الصين بعودة بوذا والأسبان ينتظرون عودة ملكهم روذريق والمغول ينتظرون عودة جنكيز خان، وكذلك تغلغلت هذه الفكرة في عمق الديانات والحضارات القديمة فقد أشارَ أفلاطون في كتابه (الجمهورية) إلى وجود هذه الفكرة عند قدامى المصريين والبابليين ومعظم الحضارات القديمة في العالم القديم كالصينية والإغريقية والرومانية .. إلخ.
ثمَّ امتدت إلى الحضارة الحديثة، فأصبحت اليوم فكرة عالمية، وكل الشعوب تعتقد بظهور الرجل المنقذ في نهاية المطاف -وإن اختلفت تسمياته عند كلٍ منهم-.
بل وحتى مفكري وعلماء وأدباء الغرب أشاروا لظهور المصلح والمنقذ وأنه سيوحد العالم تحت علم واحد وشعار واحد وصنف واحد ومنهم: الفيلسوف اليوناني زيو، والمؤرخ والكاتب اليوناني بلوتاك، والفلكي المتنبئ الفرنسي نوستر اداموس حيث يقول: (يسفك الدم العام بسبب الأفعال الجديدة، الحقيقة تقال إنهم سيكممون الأفواه ثم يأتي الشخص المنتظر في وقت الشدة متأخرًا).(٤)، وأيضًا ذكرها الفيلسوف الإنكليزي الشهير برتراند راسل، والعالم إينشتاين ـ صاحب النظرية النسبية، والكاتب الفرنسي الشهير فيكتور هوغو فقد كتب العديد من المواضيع حول الجمهورية العالمية.
وكذلك الكاتب والمفكر وولتر ليمبيس في كتابهِ (الفلسفة الاجتماعيّة)، والمفكر جورج سارتون في كتابهِ (ماضي العلم)، والفيلسوف نيتشه، وبرنارد شو عالم الاجتماع الأمريكي حيثُ جاء في رسالته (نهضة المنقذ) وجود مثل هذا الاعتقاد حتى لدى زنوج أمريكا وقال: «إن هذه العقيدة شائعة بين قبائل الزنوج الأمريكيين، أنه سيظهر يومًا ذلك الرجل ويدخلهم جنة الأرض..» (٥)، وأيضًا الفيلسوف الإنكليزي الشهير برنادشو حيث بشّر بمجيء المصلح في كتابهِ (الإنسان والسوبرمان)..
يقول الكاتب المصري المعروف عباس محمود العقاد في كتابهِ (برنادشو) معلقًا: «يلوحُ لنـا أن سوبرمان شو ليسَ بالمستحيل وأن دعوتهُ إليه لا تخلو من حقيقة ثابتة»(٦).
بعد هذا يتبين أن فكرة المنقذ قد تسللت إلى عمق الحضارات القديمة، وامتدت حتى يومنا هذا في الحضارة الحديثة وأنها ليست أسطورة خلقها وانفرد بها المسلمون كما يهرج البعض!.
هذا من جهة الديانات السابقة لعصر الإسلام، وأما بالنسبة للمسلمين فقد بلغَ عدد الأحاديث المرويّة من طرق السنة والشيعة عن الإمام المهدي "عجل الله فرجه" آلاف الأحاديث، «وقد أحصى الشيخ لطف الله الصافي الگلبايگاني في كتابهِ منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر فكان مجموع الأحاديث المنتخبة مما رواه السنة والشيعة في ذلك خمسة آلاف وثلاثمائة وثلاثة حديث»(٧).
«وأخرج أحاديث المهدي (ع) إجمالا أو تفصيلا عن أئمة الحديث -في صحاحهم الستة- البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة.
وأكابر حفاظهم أيضًا منهم أحمد بن حنبل وأبو القاسم الطبراني وأبو نعيم الإصبهاني وحمّاد بن يعقوب الرواجني والحاكم صاحب (المستدرك).
ومن أعلامهم الكنجي وسبط بن الجوزي والملا علي المتقي صاحب كنز العمال والشبلنجي والقندوزي وأفرد بعضهم كتبًا خاصة في هذا الموضوع..»(٨).
وبذلك نلاحظ أن كتب المذاهب الإسلامية أيضًا مشحونة بروايات هذا الباب والتأكيد على وجوده وتكفير منكره، يقول ابن حجر حين سُئل عمن ينكرون خروج المهدي (ع): (فهؤلاء المنكرون للمهديّ الموعود به آخر الزمان وقد ورد في حديث عن أبي بكر الإسكافي أن النبي (ص) قال:« من كذب بالمهدي فقد كفر».(٩).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
اضافةتعليق
التعليقات