قال الإمام علي عليه السلام: "رب قول انفذ من صول".
يشير الإمام علي عليه السلام في هذه الكلمة القصيرة إلى أهمية الكلمة وقوتها وقدرتها على التأثير والتي تتجاوز العضلات الجسدية.
إن صياغة الكلمة والعبارات لطالما عُد فن منذ الأزل وإلى الآن، ولهذا يدرب الخطباء والملوك والأمراء على هذا الفن من أجل التأثير في الجمهور من خلال بضع كلمات تصاغ ببلاغة كبيرة، كما أن معظم الشركات التجارية وشركات الدعاية والإعلان يبذلون جهوداً مضنية لاختيار الكلمات المؤثرة التي يمكن أن تجذب الناس إلى منتجاتهم.
والقرآن الكريم يؤكد هذا المعنى في قول الله عز وجل في سورة إبراهيم "ألم ترَ كيف ضرب الله مثلاً كلمةً طيبة كشجرةٍ طيبة أصلها ثابت وفرعُها في السماء، تُؤتي أُكُلَها كُلَّ حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للنّاس لعلهم يتذكرون، ومثلُ كلمةٍ خبيثةٍ كشجرةٍ خبيثة اجتُثت من فوق الأرض ما لها من قرار" فالكلمة الطيبة هي تلك الكلمة التي تترك الأثر الطيب في نفوس الآخرين ويتردد أثرها في كل وقت وزمان، وهي الكلمة التي ترمم القلوب المكسورة وتداوي النفوس المجروحة، على عكس الكلمة الخبيثة والسلبية التي تكسر القلوب وتجرح النفوس. وقد جاء في الحديث الشريف (الكلمة الطيبة صدقة) ليؤكد دور وأهمية وتأثير الكلمة في النفوس واعتبرها الرسول الأكرم صدقة لها أجرها. ويأتي الأمر الإلهي ليدعم ذلك بالقول {وقولوا للنّاس حُسنا}.
نفسياً يقوم العقل الباطن باستقبال الكلمات الإيجابية والسلبية التي يسمعها الفرد من محيطه أو حتى الحديث الذاتي مع النفس ومن ثم تولد شعوراً ايجابياً إذا كانت الكلمة إيجابية، وشعوراً سلبياً إذا كانت الكلمة سلبية ومن ثم تظهر آثار هذه الكلمات على سلوك الشخص المستقبل لهذه الكلمات. ولهذا يمكن الاستفادة من هذا المعنى تربوياً في مخاطبة الآخرين سواء كانوا أبناء او موظفين أو آخرين بكلمات إيجابية تحفزهم وتثير فيهم الدافعية، وتستنهض هممهم وطاقاتهم الكامنة، وتجعلهم يشعرون بحب واحترام ذواتهم وهذا هو المفتاح لبناء ذات قوية من خلال بضع كلمات إيجابية.
يؤكد الإمام في قوله من إنك تستطيع بقول جميل ومفعم بالحماس أن تفجر طاقات كبيرة تعذر عنها الصولات والجولات بالعضلات. لذا على الآباء والمربين خصوصاً وعي وإدراك أهمية الكلمات في بناء ثقة أبنائهم وضرورة مخاطبتهم بالقول الإيجابي مثل قول أنت انسان متميز وأنا فخور بك، لقد استطاعت أم العالم أديسون مخترع الكهرباء ببضع كلمات أن تجعل من ولدها شخصا عظيماً خلده التاريخ. لقد قالت له ببساطة بعد أن طرد من المدرسة التي حطمت نفسيته بالإهانات والاتهامات له بالتخلف الجنون والغباء، لقد قالت له (إني أراك محور كل هذا الكون، وأن ذكاءك أكبر من أن تستوعبه مدرستك)، فاستطاع من خلال تشجيع أمه بهذه الكلمات أن يتحف العالم بالمصباح الضوئي وأن يترك أثراً كبيراً في تاريخ البشرية يتذكره كل فرد على هذه الأرض منذ ذلك اليوم الذي اخترع فيه المصباح وإلى انتهاء هذه الدنيا. وعلى عكس كثير من الآباء والامهات والمربين الذين كانوا سبباً في تحطيم أبنائهم بكلمات الإذلال والسخرية والتي قتلت فيهم الطموح والدافعية، وكسرت ذواتهم وشوهت نظرتهم لأنفسهم فباتوا على هامش هذه الحياة يعانون الفشل واليأس.
اضافةتعليق
التعليقات