بوجههِ المُصفّر يختلق أحاديثاً تعينه على سريان الدماء بخدّيه من جديد ولكن ما تضمره عيناه كان ظاهراً للعيان بكل وضوح، قد استحوذت على نظراته البؤس والقلق مما يخبئه الغد المجهول وحين باغته صديقه بسؤاله مستفسراً عن أحواله لم يستطع ضمر همّه أكثر، أفصح قائلاً؛ لقد رسب ولدي الأكبر بمادتين.. صَمَتَ بُرهة مُطرقاً رأسه للأسفل ثم قال؛ على رغم جهودي المتواصلة في تعليمه حتى إنني لم أُقصّر عن أخذه لأفضل المعلمين الخصوصيين إلا إنه لم يُقدّر جهودي وما بذلته من أجله، كنت أتمنى أن أراه ناجحاً فحسب، إلا أن رسوبه كان لي كرميهِ لدلو ماء جمعت ما به قطرة قطرة في يوم صيفي قاحل.. تفوه ما به من هَمّ بصوتٍ عال كمن يستفرغ قلبه بشرايينه وأوتاره، كان وجهه شاحباً كمريض.
ثم لوهلة جاءه صوت جهوري من آخر المجلس قائلاً؛ وكيف حال ولدك عقيب رسوبه؟ أجاب الأب؛ إنه لا يكترث، قد أقفل بابه والتحف بصمته غير مبالياً لشيء ومنذ تلك اللحظة لم أحاول الكلام معه قط.
أجابه الرجل؛ إنتبه أن لا تصنع من إبنك روبوتاً وأن لا تعدم مشاعره وتطمس فرحته وتغلق باب قلبه في مقابل أن يوهبك تقديراً لما تقدّمه له، إنك تريد نجاحه لنفسك أكثر من أن تريده لنفسه، لكي تشعر بأنك الأب المثالي الذي يؤدي واجباته على أتمّ وجه، بينما هو حتى اللحظة لا يعلم ما الذي يعنيه النجاح أو السقوط ربما..
كُنتُ في الثانوية حين رسبتُ بمادة الرياضيات وحين عدتُ للمنزل رميتُ وجهي بين أحضان مخدتي وملأتها أدمعاً صامتة بقلب محترق، حينها أتى والدي ورفع وجهي، أشحت عنه خشية أن يضربني ولكنه وبكل حنوٍ قال؛ شكراً لأنك نجحت بتفوقٍ بتسع مواد، شكراً لأن انضباطك كان ممتازاً في المدرسة وسمعتك طيبة وهيئتك مرتبة، شكراً لأنك حافظت على عزيمتك طوال هذا الفصل الدراسي ولم تتأخر عن صفك ولم تعتذر يوماً عن الحضور به، فلتبكِ مادة الرياضيات وما بها من معادلات وليبتسم وجه ولدي الذي رفع رأسي بإجتهاده وصبره لصنع ذاته ومستقبله. صمت صوته الجهوري ثم قال؛ لقد كان والدي رجلاً ستيني، والذي يناهزه بالعمر يعلم أن الدرجات بعلوها او بدنوّها لا تحدد نجاح المرء أو سقوطه بل أشياء أكبر وأعمق من هذه السطحيات، أتذكّر حتى هذه اللحظة بأنني نجحت بمادة الرياضيات في الفصل الثاني من العام واجتزت المرحلة الثانوية بنجاحٍ وبسعادة غامرة لأن الذي اوصلني لذلك دعم أبي النفسي وليس المادي وحسب، ساعده لينجح لنفسه وليرتقي لنفسه لكي يتعلم ماذا يعني السقوط قبل النجاح ويجتازه!.
اضافةتعليق
التعليقات