الساعات، الأيام، الأشهر والسنوات، هي ظروف خام من مواد أولية وُجدت لنُشكلها بين أيدينا، صفحات بيضاء خالية تماما كمدونتك اللطيفة التي تشتريها -أو يشتريها البعض- بداية كل سنة ليبتدأ معها رحلة الملئ والتدوين وتسويد صفحاتها بالملاحظات مرة وبالأهداف مرةً أخرى أو بقائمة مهامه الخاصة لكل يوم أو ربما بقائمة مشترياته أو خربشات أطفاله حتى، أو ترك أغلب صفحاتها خالية.
الحال كذلك مع الأيام التي تأتينا خاما لنبحر فيها بسفينة نياتنا وأعمالنا، نواجهها بمدها وجزرها، بفرحها وحزنها، فإذا حزمنا أمتعتنا جيدا وكان هناك تحضير مسبق للرحلة بأشرعة مهيئة وبدفة نحن من يمسك زمام أمورها وتوجيهها متوقعين ومتحضرين لكل خطب -جيد أم سيء- ونمتلك أدوات التعامل مع كل حالة تواجههنا، حينها لن نجعل بحر الأيام الذي نسير فيه يتحكم بنا ويفرض علينا ظروفه بلا أية مواجهة أو قدرة وإستعداد، بل نحن من يترك عليه آثار مسيرنا كشيء يُخبر بأننا كنا هنا بيوم من الأيام بظرف من الظروف.
شاهد الكلام أن هناك من يقولها بعبارة، "هل رأيت ما فعلت بنا سنة 2018" ويبدأ بالعد والصف على كل المآسي والخسائر التي كبلته بها أو ربما وهذا ما يندر طبعا أن يذكر البعض الأفراح والأشياء الجيدة التي حملتها السنة لهم، وكأن سنة 2018 كائن عدمي مسخر ليمر بدوامته ذات ال 365 يوم لتبعثر الأحداث من حولنا وتصنف أيامنا بلا أية إرادة أو تدخّل مِنا، فتهب السعادة لنصيب فلان من الناس وتسلبها من نصيب آخرين.
ماذا عن ما فعلته أنا بسنة 2018؟!، إنجازاتي وأعمالي وآثاري التي ترتكتها على خد الزمن في تلك السنة بجيدها أو سيئها، بالنجاحات التي حققتها عن جهد وتخطيط، بعدد الكتب التي قرأتها، بعدد الأعمال التي تطوعت لأدائها فقط لنفسي بلا أي مقابل، بعدد الناس الذين قدمت المساعدة لهم ولو بأبسط الأشياء، بعدد الأشياء التي سعيت لها - وإن لم تتحقق- المهم أداء ما يلزم وليحدث ما يحدث.
فلنمسك أقلام أيامنا بأيدينا وتحت عين العناية الإلهية التي تحث على السعي وامتلاك الإرادة الكافية للتحكم بكل ثانية ودقيقة لأنها شيء نحن مسائلين عليه بسؤال هو ربما من أصعب الأسئلة التي ستُعرض على الإنسان في يوم ما، وهو عن وقته وخصوصا وتأكيدا بالذكر وقت الشباب فيما أفناه، عنه صلى الله عليه وآله وسلم: (لاتزول قدما عبدٍ حتى يُسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه وعن جسدهِ فيما أبلاه وعن علمه ماذا عمِل فيه وعن ماله من أين أكتسبه وفيما أنفقه).
كون الإنسان في هذه الفترة بأوج قوته وقدراته على التحكم بحياته وإتخاذ قراراته وتخطيط مسار أهدافه التي يسعى لتحقيقها لتصبح على أرض الواقع، ذلك الواقع الذي سيصنع ويحدد حياته الآن ولاحقا في مرحلة -الضعف- مابعد القوة.
لنمسك دفة السفينة في عامنا القادم ونبحر بأيامه حاملين معنا كل الأدوات والاحتياطات التي تواجهنا بالطريق، وأن نعتد بعد التوكل على الله بأسلحة السعي والإرادة وبذل المستطاع في سبيل توجيه مسير حياتنا لما نريد، لا جعلها هائمة على وجهها في عرض الزمن توجهها تيارات الخطوب والأحداث كما تشاء لتنتهي سنة بعد أخرى وأنا أشكو ما فعلته بي، فلأفخر بما فعلته أنا بها.
اضافةتعليق
التعليقات