طلّت علينا الذّكرى الميمونة لـعيد الغدير, التي شكَّلت محطّةً بارزة في تاريخ ومسيرة الإسلام والمسلمين, وموقفاً من مواقف الحقّ والحقيقة النّاصعة التي تركت بصماتها جليّة واضحةً على المستوى العام, وخصوصاً عندما يتعلّق الأمر بتنصيب قائدٍ للأمّة تجتمع فيه كلّ المؤهّلات العلميّة والقياديّة, وأهمية كلّ ذلك في حياة الأمّة ورسم مسارها ومصيرها, وإبعادها عن كلّ الانحرافات في الفكر والسّلوك.
ولقد نصَّب الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) أمير المؤمنين وسيّد الوصيين علي بن أبي طالب (عليه السلام), قائداً للأمّة, ووليّاً لأمورها, في الثامن عشر من شهر ذي الحجّة العام 10 للهجرة, حيث أكمل إمام البريّة المسيرة الرّساليّة, وبيَّن حقائقها, وثبَّت دعائمها, وعمل بكلّ صدقٍ وإخلاص على ترسيخ مبدأ الوحدة الاسلامية قولاً وعملاً, فلم يكن الامام (عليه السلام) إماماً لمذهب أو طائفة, بـل كان إماماً للإسلام كلّه, وعاش حياته كلها وإستشهد من أجل إعلاء كلمة الله تعالى, والتي لاتكون بشكلها الحي والفاعل إلا بوحدة المسلمين وتفاهمهم, والمشاركة في بناء مصيرهم.
إنَّ الـولايـة على شؤون الامّة, وبتنصيبٍ من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم), ليست موقعاً تشريفيّاً لتأكيد القرابة أو النَّسب, بـل هي أمرٌ إلهيّ تكليفيّ بوجوب تصدّي الشخص المؤهَّل لقيادة الامّة, لأنّ المصلحة هي مصلحة بقاء الاسلام واستمراريته وعزَّته.
"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلاَمَ دِيناً" (المائدة-آية 3), من هنا اعتبرت قضية الولاية من القضايا المهمة المصيرية في مستقبل الإسلام وقوته, مايؤكد ويؤيد إعتبارها إكمالاً للدين الذي يحتاج إلى رعاية من الشخص الذي عاش فكره وشعوره وجهاده للإسلام, حتى لم يعد هناك في داخل ذاته أي نوع من أنواع الفراغ الذي يحتضن أهتمامات غير إسلامية.
لقد كان عيد الغدير محطة للتركيز على دور وأهمية القيادة الواعية والفاعلة في حياة الأمة, وربطها بهويتها الاصيلة, وخصوصاً أن موقع القيادة والولاية يتطلب مؤهلات تتناسب مع حجم هذا الموقع وطبيعته ومسؤوليته, لأن القضية هي قضية من يصلح لقيادة الإسلام ككل, وبلوغه أهدافه الكبرى في بناء مجتمع إنساني وحضاري جدير بدور خلافة الأرض.
اضافةتعليق
التعليقات