الكثير من الناس يسعون لتكوين علاقات، وتوسيع نطاق معارفهم فيفتحون باب الأسئلة والحوار مع أحدهم بهدف تكوين العلاقة معه، فينتقون لذلك أفضل المفردات، بنبرة صوت هادئة وعلامات استرخاء بادية، وابتسامة مريحة تبعث شعورا بالراحة والألفة، بحيث يأخذ الشخص المقابل انطباعا إيجابيا ويكون عنهم فكرة جيدة.
مستعدون للمجاملة ونركز على الإهتمام بالآخر بهدف جذبه لمصلحة ما..
من الجيد أن نكون العلاقات مع أناس ملتزمين وذوو خلق وأدب فإن الإنسان سرعان ما يتأثر بصديقه ومن يماشيه، ولكن تبقى العلاقة الأهم هي علاقتنا بالله لا مع زيد من الناس أيا كان منصبه أونفوذه وعلى أي شهادة هو حاصل، وكم تبلغ ثروته أو خبرته في الحياة أو أي جانب من جوانبها، فكما يقول الشاعر؛
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضابُ
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب ترابُ.
إن العلاقة مع الله والتقرب إليه تعالى لابد أن تخضع لمقدمات أهمها المعرفة؛ معرفة الله عزوجل حق معرفته كما نقرأ في دعاء زمن الغيبة: (أَللّهمَّ عرِّفْنِي نَفْسَكَ، فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي نَفْسَكَ لَمْ أَعْرِفْ رَسُولَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي رَسُولَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي رَسُولَكَ لَمْ أَعْرِفْ حُجَّتَكَ، أَللّهمَّ عَرِّفْنِي حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إِنْ لَمْ تُعَرِّفْنِي حُجَّتَكَ ضَلَلْتُ عَنْ دِينِي، أَللّهمَّ لاَ تُمِتْنِي مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلاَ تُزِغْ قَلْبِي بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنِي...).
وقد بين الدعاء طريق معرفة الله وجعل شرط تحققها معرفة الرسول والحجة فهذه السلسلة المحكمة من حلقات الدعاء المتصلة والمترابطة من المعرفة لا تتحقق إحداها دون الأخرى.
أولها معرفة لله والرسول، ثم معرفة الحجة فإن فقدان إحدى الحلقات تعني الضلال عن الدين والكفر، فيقول إن لم تعرفني نفسك لم أعرف رسولك ولم يذكر الضلال بعد إن لم تعرفني رسولك لم أعرف حجتك.
ومع الحلقة الثالثة وفي المقطع الأخير وإن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، فإن كمال الدين والمعرفة الحقيقة لله في زمن الغيبة لا تتحقق دون معرفة الإمام عجل الله تعالى له الفرج، فهو الوسيلة لمعرفة الله والطريق الأسرع للإرتباط به تعالى.
فقد بدأ الدعاء بمطلب ذو صبغة عقائدية منبِّهاً المؤمنين إلى أنّ البناء العقائدي السليم والمعرفة الحقة ينبغي أن يرتكز على الإعتقاد الصحيح بالتوحيد والنبوة والإمامة معا ولا يمكن أن يتم هذا الإعتقاد الكامل وتكون النجاة من الضلالة وميتة الجاهلية، إلا بالحصول على المعرفة الصحيحة بالله ورسوله وحجَّته معا.
بل ويصرِّح بأنّ هذه المعرفة لا يمكن الحصول عليها من غير الله عزوجل، وعن طريق الحجة،
إن الله تعالى بين طريق معرفته واختار منذ بداية الخليقة أن يعرف نفسه من خلال الأنبياء والرسل والأئمة وجعلهم طريق للهداية وما خالفهم هو الضلال والكفر، وأي طريق لتعريف خلقه عليه لا يمكن أن يكون إلا من خلال الأنبياء والحجج عليهم السلام.
ما هي المعرفة؟
يمكن تلخيص رسالة الأنبياء في دعوة الناس وغايتها (بمعرفة الله سبحانه وتعالى) ذلك لأن معرفته سبحانه أساس كل خير، وهي رأس العلم وأعلى المعارف وأوجبها، فأول العلم معرفة الله، ولأن معرفة الله تستلزم تقيد الإنسان بالوظائف الشرعية، والموازين الأخلاقية، والحقوق الإجتماعية، فتكون قانون حياة متكامل..
أما حدود ما يلزم علينا تحصيله من المعرفة بالنسبة إلى الله تعالى فهي كما بيّنها الرسول المصطفى (صلَّى الله عليه وآله) عندما سُئل عن ذلك كما ورد في الحديث عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله)، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؛ عَلِّمْنِي مِنْ غَرَائِبِ الْعِلْمِ؟
فقَالَ؛ صل الله عليه وآله (مَا صَنَعْتَ فِي رَأْسِ الْعِلْمِ حَتَّى تَسْأَلَ عَنْ غَرَائِبِهِ"؟
قَالَ الرَّجُلُ؛ مَا رَأْسُ الْعِلْمِ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ: " مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ".
قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: وَمَا مَعْرِفَةُ اللَّهِ حَقَّ مَعْرِفَتِهِ؟
قَالَ؛ "تَعْرِفُهُ بِلَا مِثْلٍ، وَلَا شِبْهٍ، وَلَا نِدٍّ، وَأَنَّهُ وَاحِدٌ أَحَدٌ، ظَاهِرٌ بَاطِنٌ، أَوَّلُ آخِرُ، لَا كُفْوَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ، فَذَلِكَ حَقُّ مَعْرِفَتِه".
ومعتقد ما جاء في هذا الحديث واضح ولا نجده عند جميع المذاهب سوى مذهب أهل البيت عليهم السلام من تنزيه لله وتعظيم.
وفي نهج البلاغة يقول الامام علي عليه السلام في أول خطبة يذكر فيها ابتداء الخلق (إن أول الدين معرفة الله).
ويقال عرفا عن الرجل (يعرف الله) أي يخاف عقابه ويرجو ثوابه ملتزم بما أمر به ونهى عنه. المعرفة طريق التقرب لله
إن معرفة الإمام والعلاقة معه هي باب التقرب إلى الله وأول شروطها فلا يمكن أن تكون العلاقة مع الله والتقرب إليه زلفى.
كما نقرأ في دعاء كميل: واجعلني من أفضل عبيدك عندك، واقربهم منزلة منك، واخصهم زلفة لديك، فإنه لا ينال ذلكم إلا بفضلك..
حتى نحضى بالمنزلة الرفيعة والدرجات العلا والخصوصية في القربى(الزلفى) لابد وأن نصلح علاقتنا بالله ونتقرب إليه تعالى من خلال انتظار أمره ووعده، والتقرب من الإمام واستشعار حضوره (عج) والدعاء له وندبته والتودد إليه، فأي درجة أعظم من أن نتقرب من الله وأي علاقة تقاس بالعلاقة مع الله تعالى.
اضافةتعليق
التعليقات