كانا يجلسان أمام منزلهما بعد مضي 50 عاما وهما يزاولان المكوث فيه، ينظران إلى الرمال المنبسطة إلى ما وراء الأفق وقد راحت صور الماضي والحاضر والمستقبل أيضا تتبدى لخيالهما على تلك الحبات الذهبية اللامعة وراحا في دهشة يتساءلان: كيف مضى هذا العمر وكأنه لحظات وهما مازالا مع بعضهما!، وعلى ضوء الحاضر راحا يستعرضان الماضي بعد 50 عاما من زواجهما..
ها هما يقفان أمام ناصية الذكريات بعد تلك الليالي الخالدة وانقضاء أجمل وأحلى سني العمر معا، ها هي المحطة الأخيرة ليروا حصاد ماجنوه فقد تحدوا معا وعكات الحياة ليروا حلمهم الصغير قد عاد لينبض بالحياة.
انها امنة التي أحبت بساطة الحياة مع زوجها فكانا متعاونان بكل شيء بتربية الأبناء وفي زراعة أرضهم وحصادها فقد كانت مصدر رزقهما الوحيد، حتى أشيع خبر الحرب على إيران آنذاك، وراحت تتفتت ذرات حلمها خوفا من ان تحصد الحرب أرواح من تحب، لم تكن مخاوفها عبثا فقد حصل ما كانت تخشاه ووقع زوجها أسيرا في الحرب التي دامت ثمانية سنوات، امتلأت البيوت بالارامل وزخت المقابر بصور الشهداء وبقيت وحيدة تصارع الحياة بقساوتها، كانت لا تمل من النظر الى ذلك الطريق المؤدي بين بيتها والشارع الفرعي لعلها ترى غائبها قد وطأت قدماه ارضه.
وفي زحمة الحياة وصخبها ومتطلبات المعيشة المضنية تسرب اليأس لقلبها وشعرت بانكسار داخلها قد سرى لكنه اخفته بين ثنايا قلبها المهشم، وكانت تواري حبات الدمع عمن حولها.
وفي صباح ذات يوم وككل الصباحات جلست في فناء البيت تتأمل تلك النخلة التي غرسها ورحل والتي كبرت حتى اصبحت ظلالها تملأ حديقة البيت، وبينما كانت غارقة بتأملاتها سمعت بخطى تتجه صوب الباب لتطرقه همت لفتحه وما ان دلف الطارق حتى تهاوت على الارض مغشيا عليها.
فرحت بعودة غائبها بعد غياب دام ستة عشر عام لتشهد معه رؤية احفادها، كادت تنسى هذا اليوم ولم تصدق عيناها وهي تراهم يقتحمون بيتها الذي لفه الهدوء لقد جاؤوا كلهم.. ابناؤها واحفادها لاحياء الذكرى التي انقضى عليها خمسون عاما، انها ذكرى زواجهما، وتحول بيتها الصغير الى مكان صاخب امتلأ بالحياة لتقف هي وزوجها العجوز مادين ذراعيهما ليستقبلوا فلذات اكبادهم بالأحضان والقبلات، انه حلم قد تحقق، ليروا ما زرعوا منذ بداية حياتهم ليومهم هذا، انها الذكرى الباقية بعد ذهابهم، انهم الفروع النابضة للشجرة التي اصابها الذبول واوشكت على الجفاف، انهم حياتهم الجديدة على الارض.
ترى كيف وصلت الى ما عليه هي الان، هل الارادة ام القوة ام الاستسلام لقدرها، ام هو الصبر الذي غمسته بحلاوة الايمان.. اجل انه الصبر الذي زرعه الله في قلب حواء، جعل منها جبلا يحمل في طياته يقينا بأن ما كتبه الله للمرء لن يكون لغيره والقادم سوف يأتي مهما طال الانتظار وتعسر في طريق الوصول.
فالصبر الذي طرزته بالايمان هو من جعلها تنتظر قدرها لا غائبها فقد كان هو قدرها الذي اختاره الله لها منذ البداية.
اضافةتعليق
التعليقات
2017-07-19
نتمنى لك دوام التوفيق والنجاح. .