جاء في وعد الله سبحانه يوم القيامة بجزاء ألا وهو الجنة وجاء التصوير القرآني في كثير من الايات الكريمة ليشوق المؤمنين الى ذلك الجزاء.
يقول الله تعالى في سورة الواقعة (يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب واباريق وكأس من معين لا يصدّعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير ممايشتهون وحور عين كامثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تاثيما الا قيلا سلاما سلاما).
وجاء في وصفها ايضا بانها جنات تجري من تحتها الانهار فيها النخيل والرمان منها ماهو شديد الخضرة اسودها (مدهامتان).
فيها الحرير والسندس واساور من فضة وذهب وقوارير وانهار من خمر ولبن مما لا عين رأت ولا اذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.
يقول الله تعالى (مثل الجنة التي وعد المتقون فيها انهار من ماء غير اسن وانهار من لبن لم يتغير طعمه وانهار من خمر لذة للشاربين وانهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم) ولعل اجمل تصوير للجنان جاء في وصف الامام علي عليه السلام في نهج البلاغة حيث يقول (فلو رميت ببصر قلبك نحو ما يوصف لك منها لعزفت نفسك عن بدائع ما اخرج الى الدنيا من شهواتها، ولذاتها، وزخارف مناظرها ولذهلت بالفكر في اصطفاف اشجار غيبت عروقها في كثبان المسك على سواحل انهارها، وفي تغليف كبائس اللؤلؤ الرطب في عساليجها وافنانها، وطلوع تلك الثمار المختلفة في غلف اكمامها، تجنى من غير تكلف فتاتي على منية مجتنيها ويطاف على نزالها في افنية قصورها بالاعسال المصففة والخمور المروقة).
وقد روي عن الامام الرضا عليه السلام عن ابائه الطيب نشرة والعسل نشرة والركوب نشرة والنضرة الى الخضرة نشرة.
فوجود الخضرة والرياحين والزهور مما يبعث في النفوس الانبساط والانشراح ووجود الماء بالذات الجاري والاشجار جمال للبيوت.
وقد عرف المسلمون هذه الهندسة الجمالية فجعلوا مساكنهم اشبه بالجنان على الارض تشوقا للجنان الاخروية.
فجاء في وصف الشعراء لبعض اماكن سكناهم في كلمات بهية جميلة منهم الشاعر ابن زيدون الذي قال في احدى موشحاته:
اقرطبة الغراء هل فيك مطمع
وهل كبد حرى لبينك تنقع
وهل للياليك الحميدة مرجع
اذا الحسن مراى فيك واللهو مسمع واذا كنف الدنيا لديك مؤطأ
ويارب ملهى بالعقيق ومجلس
لدى ترعة ترنو باحداق نرجس
بطاح هواء مطمع الحال مؤنس
مغيم ولكن في سنا الراح مشمس اذا مابدت في كاسها تتلألا.
وقرطبة هذه احدى المدن التي انشأها المسلمون في الاندلس التي عرفت حاضرة الدولة الاموية التي اسسها عبد الرحمن الداخل في مواجهة الدولة الاموية في دمشق. وقال احد الشعراء ايضا يدعى ابن حمديس الصقلي يصف بركة:
وتخالها والشمس يحلو لونها
نارا والسنها اللواحس نورا
فكانما سلت سيوف جداول
ذابت بلانار فعدن غديرا
وكانما نسج النسيم لمائه درعا فقدر سردها تقديرا
وبديعة الثمرات تعبر نحوها عيناي بحر عجائب مسحورا.
فكلا الشاعرين يريان في الامكنة التي عاشوا فيها انسا لوجود الماء ووفرة الخضرة.
ومما جاء في وصف الجنة المعنوية على لسان الامام زين العابدين في مناجاته مع الله هذه المناجاة اشبه ماتكون جلسة في روضة من رياض الحب الطاهر تحت غصون الرحمة والرضا
(الهي فاجعلنا من الذين ترسخت اشجار الشوق اليك في حدائق صدورهم واخذت لوعة محبتك بمجامع قلوبهم فهم الى اوكار الافكار يأوون وفي رياض القرب والمكاشفة يرتعون ومن حياض المحبة بكاس الملاطفة يكرعون وشرائع المصفاة يردون قد كشف الغطاء عن ابصارهم وانجلت ظلمة الريب عن عقائدهم وضمائرهم) الى ان يقول عليه السلام: (وعذب في معين المعاملة شربهم وطاب في مجلس الانس سرهم وامن في موطن المخافة سربهم).
ومما لاشك فيه ان اهتمام الاسلام بالخضرة والجنان المادية والمعنوية احدى روافد تعزيزه في الافئدة واحدى اوتار المسرة التي يعزفها في قلوب المسلمين ليعيشوا هانئين في دنياهم واخراهم فما اجمل لو كانت بيوتنا جنان يعيشها المؤمن في اريحية الايمان وسعادة الآخرة.
اضافةتعليق
التعليقات