تحركت سياراتنا جميعا نحو باب الخروج، رأيته واقفا هناك، ما زلت واثقة تمام الثقة أني رأيته واقفا هناك ينظر إلينا، كأنه لم يفهم لم قد غادرنا هكذا جميعا ولم نصحبه معنا، أو كأني أني التي لم أفهم، كان واقفا ب(دشداشته) البيضاء، لم أتوقف عن النظر إليه من شباك السيارة حتى أصبح بعيدا جدا، أو أنا التي أصبحت بعيدة، ارتعبت حقا لا أخفي هذا، رأيت بأم عيني أن الجميع قد ردم الحفرة بالتراب، حفرة قبره أقصد، كيف مازال واقفا هكذا!.
يومها لم أستطع النوم، لم أستطع دخول منزله حتى، اضطررت أن أذهب لمناداة جدتي من ذلك المنزل إلا إن دخولي منزلهما جعل الدماء تجف في داخلي، لم أستطع، مخيفة الأماكن بعد رحيل أصحابها، الآن أستطيع إدراك أني احتجت إلى ما يزيد عن الثلاثة أشهر للخروج من صدمة موته، مع إني لم أكن أُكٍن ذاك الكم الهائل من الحب له، لم تكن علاقتنا بتلك القوة، كنا حفيدة وجدّاً فحسب، تربطنا المسميات لا أكثر، إلا إنني لا أستطيع التعامل مع فكرة الموت، لأي شخص وبأية طريقة، لم أستطع ولن أستطيع أبداً.
أذكر أني يومها صرخت كمن فجعت بإبنها الصغير، شعرت أن روحي التي خرجت لا صوتي، صُدمت وقتها من ردة فعلي هذه تجاه موته، لا أملك حقا أيّ ذكرى مميزة لي معه، فلم حدث هذا؟
أخاف موت المحيطين بي أكثر من موتي أنا نفسي، أخافه حقا، لدي ردة الفعل الغريبة تلك تجاه موت الجميع.
يذهب الأشخاص بلحظة، كل ما يبقى خلفهم هو كم متراكم من الذكريات والحاجيات التي لا تعني شيئا سوى لهم، ألن يكون مريحا للجميع أن تذهب هذه الذكريات والحاجيات مع أصحابها فلا تؤلمنا معها كل ذاك الألم!.
أن تختفي هكذا فور اختفاء صاحبها، أن لا يبقى لنا بعدهم تلك الكنزة الصوفية المشبعة برائحتهم، أو ذاك الكتاب المليء بملاحظاتهم، وحتى تلك الأطباق التي كانوا يفضلونها عن غيرها، إلا أنها لا تفعل، لا شيء من هذا كله يختفي أو يذهب، بل يبقى كعبء كبير على صدورنا لا نستطيع الخلاص منه.
اضافةتعليق
التعليقات