في حجرة العقيدة وفود مختلفة، منها تغذي الوتد فيها وأخرى تعارضها أو أن تحاججها على حساب بعض المصالح المكتئبة التي تبحث عن مبرر لتعيش في أروقته .
ولعل أبرز شخوص مدعيه هم من تفاوضت نفوسهم على بيع القيمة فيه، وإجترار مقعد الغاية منه لتلبية غدهم المبهم.. غبار النفس، مائدة فاسدة لبطون علمهم، وإعتقاد حروفهم قصعة مستوردة دخيلة، ترفض الواقع ولا تربطه بشمس معارف الدين وأهله ..
وجانب آخر، يترقب العاقبة خوفا، إما لتقصير أو لقصور في فهم متعلقات الدين وعمق المعنى فيه ..لذا نرى الفضيلة تطرح نفسها جاهدة لحفظ رصيدها بين محافل الذكر والخدمة النقية من انسكابات بعض من يمسها بأذى وبصيغة الفضول ..
لأن العقيدة بيت صامد جداره سلاح شاهر، وبابه تفويض ماهر، يباغت النفس الضعيفة، فيعلنها للملأ ويفضح أساريرها بأسلوب (ونستدرجهم من حيث لا يعلمون).
تتألق حكاية أمشاجها فضائل، وعين نعيمها خبر لفضلها، ضميرها متصل تقديره عمارة النفس.. من ردهات الماضي سرد مبتغاه وطن، يتكلم بلغة العمق فيه ذرات من أفكار تهذبت لترتقي، وتغذت لترتضي سلم البركة والعافية لنفسها .
إن كنا نريد بناء الذات، فالمجد خلد واسع مفهرس لجميع ما تركه الأولياء وعهدة الأنبياء والمرسلين ..وفي وصايا محور التوحيد وقطب رحى الدين، خصال بالغات سامقات ووتر ذو نجوم بازغات، جعل الله الرسالة فيهم مصداقا لقدسه، وعزه وجلاله ..
فلا مصداق للعقيدة دون سواهم، فقد أخذت معناها من سماحتهم، واكتسبت رونقها من جلالة قدرهم ، فأضحت سرا لايبلغه (إلا من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا).
في عاتق كل مؤمن بولايتهم تتبع خطواتهم ، لأن لهم الولاية على أنفسنا وما ترتب من أثر لنفسها وماتدخر(وقفوهم أنهم مسؤولون) وبقوله صلوات الله عليه وآله: « الثقل الاَكبر، كتاب اللّه، والآخر الاَصغر: عترتي؛ وانّ اللطيف الخبير نبَّأني انّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».
ثمّ قال: «أيّها الناس من أولى الناس بالموَمنين من أنفسهم؟» قالوا: اللّه ورسوله أعلم، قال: «إنّ اللّه مولاي، وأنا مولى الموَمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم،).
ونقله ابن حجر عن الديلمي، وقال: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤولُون) : أي عن ولاية علي وأهل البيت، لاَنّ اللّه أمر نبيّه صلوات الله عليه وآله، أن يعرف الخلق أنّه لا يسألهم على تبليغ الرسالة أجراً إلاّ المودة في القربى، والمعنى انّهم يسألون هل والوهم حق الموالاة كما أوصاهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أم أضاعوها وأهملوها فتكون عليهم المطالبة والتبعة.
في صيغة الحاضر، يباغتنا التموج من كل صوب وناحية، لخلق تبرير واجم يتقصى الحاضر بأفكاره المتشذمة ولكي يرتقي محفل الشهرة بمخالب الرغبة فيها، نراه يداهن القاصي والداني ليس حبا به بل لبلوغ مدرج الرضا لنفسه المتعبة .
وبغض النظر عن كون الواقع يشرح نفسه ، وجملة الاختلالات التي فرضت نفسها فكريا واجتماعيا وأثرت على سلوك المجتمع الحالي ، من خمول وتساهل وترهلات فكرية ، ووفرة مبررات سكنت وجد الحاضر، دون أدنى بحث أو تسبيل النفس المتصدية ولو نسبيا ..
نرى أن الوقت قد اغدقنا كفالة مهمة ووصاية مجمل مافيها التحكم وفرض أساس متين وشرح الماهيات بصورة واسعة تشمل كل الطبقات من واجهات المجتمع وأبناءه وبكل المستويات.
ولعلاج شهرة التفريط بالمبدأ، لابد من وقفة خارقة تأسس عمقها على لبنة عقائدية مستوحاة من أم الأحاديث والأسانيد، ورواية قرآنية وضاءة.. ربما يستدعي منا جميعا الوثوب على قمة المبدأ لنرى الداني منه في أي وحل قد ورط نفسه، وأي فكر مستهجن التحق.
إن العقيدة الحرة منحت أبناءها، كتب معهودة وبذيل مقالها بصمة نبوية وولاية علوية، حدها لايتجاوز، وحصنها لا يتهاون به، ولابد أن نعي أن بيت العقيدة بابه مفتوح للراغبين في تسجيل أسمائهم في استمارة القوة والثبات شرط عدم العودة إلى عهد التخلف واللاإدراكية المذمومة ..
لابد من تطور يصيب الإدراك لفهم المرحلة التي تمر بها العقيدة، ودراسة التراث الفاطمي بمستوى يتوازن مع عائدات الحاضر ورد الخصم الذي لا يقبل بأي حوار ثابت ..
ما ورد في كتاب أصول الكافي في باب اختيار الحديث، عن أمير المؤمنين أنه قال :
((قد كُذِبَ على رسولِ اللهِ – صلى اللهُ عليه وآله وسلّم – على عَهْدِهِ حتّى قامَ خطيباً فَقالَ: أيُّها الناسُ قد كَثُرَتْ عَلَيَّ الكَذّابَةُ فَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النّارِ . ثُمَّ كُذِبَ عليهِ مِنْ بَعْدِه))! وفي كتاب ((رجال الكشّي)) نقلا عن الامام الصادق في جوابه إلى الفيض بن المختار عن علّة اختلاف الشيعة، قال :
((... إني اُحَدِّثُ أحَدَهُم بِالحَديثِ فلا يَخْرُجُ مِن عِندي حَتى يَتَأَوَّلَهُ عَلى غَيْرِ تأويلِهِ وذلِكَ أَنَهُمْ لا يَطْلُبُونَ بِحَديثنا وبِحُبِّنا ما عِنْدَ اللهِ وإنما يَطْلُبُونَ بِهِ الدُّنيا وكُلٌّ يُحِبُ أنْ يُدْعى رَأساً)).
لقد وصلنا اليوم إلى هذا المستوى، الذي لابد وأن يناقش النقيض ويدعمه بدليل، ويفرض عليه سحابة الغيث العلوي الذي لولاه لبات أصحابه بلا بيت ولا مأوى حضاري يتقلبون به بنضج وادع.
فرد اليوم أضحى واجهة عقيمة من الأخلاق المهذبة التي تغربل نفسه وتعرفه بذاته ، ومنشأ هذا هو التساهل والرضوخ لكل مفردة تجوب ساحة الشعار والقبول بواجهتها.. إلى هنا يكفينا تذمرا.. واعتباطا، فلنفرض سواعدنا وليكتب قلمنا ويفصح عن حقوقه العامة والخاصة وليكن حرا في الصد لتداعيات المفاخر الدنيوية التي لا تصنع من النفس إلا قوقعة هزيلة لا تفهم معنى العقيدة.
مسؤولية اليوم، مواجهتها عميقة وخطيرة تحتاج إلى الجرأة، لابد من شهر سلاح التصفية من شوائب الفكر المختلط بالتدهور والهيمنة المتفحشة بغلاء التصرف وضعف الإشارة فيه .. مدعاة الى الغرق في ذاك الوحل المميت، وغسل واجهة الدين من إقترافات مبتذلة وإعادة المنهج المتين إلى بيت العقيدة الثابتة ، لتكون حصيلة الالتقاء مثمرة ، واستقبال وليدها وهو فرج محمد وآل محمد .
اضافةتعليق
التعليقات