يعد استدعاء آيات القرآن الكريم وألفاظه وشخصياته وأحداثه من الخصائص التي تميزت بها الخطبة الفدكية، إذ كان التوظيف القرآني في الخطبة في ثلاثة مجالات هي:
أولاً: المجال المعرفي
تضمنت الخطبة الحديث عن المنظومة المعرفية الاسلامية ابتداء من التوحيد وانتهاء الى المعاد والجزاء، في ديباجة قرآنية تستحق الدراسة والتأمل، وما يهم البحث هنا كيفية توظيف النص القرآني لبيان تلك المعارف، منها ما يتعلق بـ:
صفاته سبحانه كقولها: (الممتنع من الأبصار رؤيته) فالتوظيف القرآني هنا على مستوى المفهوم لقوله تعالى: (لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الانعام: (۱۰۳)، إذ نفت (عليها السلام) إدراك الابصار له سبحانه لتعاليه عن الجسمية ولوازمها، واشارة الى ان رؤيته سبحانه إذا تحققت فهي (رؤية من غير سنخ رؤية البصر الحسي).
صفات الرسول الاعظم محمد (صلى الله عليه وآله) ومهامه التي اوضحتها (عليها السلام) اعتمادا على قوله تعالى: ﴿لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) (التوبة: (۱۲۸)، إذ استدعت (عليها السلام) النص القرآني كاملا وضمنته خطبتها جاعلة منه تمهيدا للموضوع الاساس الذي ارادته من خطبتها الا وهو المطالبة بحقها، فالرسول الذي بين القرآن الكريم مدى حرصه على المؤمنين ورحمته ورأفته بهم هو ابوها وهم في قبال ذلك لم يرعوه ويحفظوا مكانته بها، وهي بذلك توظف النص القرآني في مجاله المعرفي توظيفا دقيقا للوصول الى مرادها، والدليل على ذلك تعقيبها على نص الآية بقولها : (فإن تعزوه وتعرفوه تجدوه أبي دون نسائكم، وأخا ابن عمي دون رجالكم، ولنعم المعزي إليه (صلى الله عليه واله).
وعلى مستوى التوظيف الجزئي للنص القرآني في خطاب الزهراء (عليها السلام) في بيان ما أداه رسول الله (صلى الله عليه واله) في حياته قولها: (فبلغ الرسالة صادعاً بالنذارة مائلاً عن مدرجة المشركين داعياً إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى انهزم الجمع وولوا الدبر) (۱۹) وهنا اشارة واضحة لكل من قوله تعالى: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) (الحجر: (٩٤)، وقوله: ﴿ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) (النحل: ١٢٥)، وقوله: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (القمر: ٤٥).
والمتأمل يجد أن الزهراء (عليها السلام):
اسهمت في بيان صور رحمة الرسول ورأفته من خلال اعراضه عن المشركين ودعوته لأمر الله بالبرهان والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن من خلال اصحابه وان يعتمدوا الدليل في حكمهم والرحمة برعيتهم، وهنا يظهر المغزى من توظيف النص القرآني في خطبتها، وكل تلك الصور مظهر من مظاهر وسمات شخصية الرسول الاعظم (صلى الله عليه وآله)، وبما انه (صلى الله عليه واله) اسوة للمؤمنين فمن الأولى ان يقتدي به أصحابه وأن يعتمدوا الدليل في حكمهم والرحمة برعيتهم، وهنا يظهر المغزى من توظيف النص القرآني في خطابها الا وهو ايضا مقدمة من مقدمات الوصول الموضوع الخطبة الاساس وكأنها تومئ اليهم انكم بأي دليل سلبتم الحق وضيعتم سبيل رسول الله الذي صفته ماتم ذكرها.
بينت كيفية تفسير نص قرآني بنص قرآني آخر وهو ما يعرف اليوم بمنهج تفسير القرآن بالقرآن، وهذه قضية مهمة لابد من الوقوف عندها، فالسيدة الزهراء ليست في مقام سرد فضائل ابيها فحسب، بل هي ارادت من خلال بيان فضائل ابيها مستدلة بالنص القرآن ان تبين معرفتها بالقرآن.
مقتبس من بحث التوظيف القرآني في الخطبة الفدكية للباحثة م.م نور الساعدي
اضافةتعليق
التعليقات