إن الصبر هو أكثر شيء نحتاجه في كل تفاصيل حياتنا اليومية؛ في عملنا؛ في تعاملاتنا؛ في علاقتنا مع الآخرين؛ في داخل بيوتنا؛ في تربية أبناءنا وفي الكثير من الأمور الأخرى.
وهذا المفهوم واضح لدى الكثير ولا يكاد يخفى عليهم ولسنا بصدد توضيح معناه أو ماهيته بل نود أن نبين ما مدى علاقته بحياتنا العصرية وما طرأ عليها من تقنية وعولمة وتطور غير مسبوق، فيمكن أن نقول أنه بدأ بالتلاشي لدى البعض، طبعا فلم يعد هناك صبر على طاعة ولا على معصية، فاليوم صار الكثير يتهاون في عبادته ويلتمس لنفسه العذر في ذلك، يتهاون في صلاته ولايتهاون في استخدام الأجهزة الذكية، يتهاون في صيامه بحجة الجو الحار وساعات النهار الطويلة لأنه لم يروّض نفسه على الصبر أو التصبر على أداء العبادات الأساسية ونسي قوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) الذاريات ٥٦.
أما الصبر على المعصية فكان له النصيب الأكبر فالذي يحيط بنا من مغريات واتاحة فرص السفر لعامة الناس وتأثرهم بشكل مباشر بالمجتمعات الأخرى فالبعض تجده يضعف ويختل توازنه أمام سلبياتهم وحرياتهم المفرطة ولا يفكر أبداً باعتماد خطط نجاحهم وتطورهم اللامتناهي، فيأتيك بأفكار وعادات ومفاهيم لاتمت لمجتمعاتنا بصلة، وذلك يكون من منطلق الثقافة والتحضر والتي هي في الحقيقة ثقافة الجاهلية.
هل هي الغفلة؟ أم هم من الذين يعملون السوء بجهالة؟ أم عن دراية وتعمدوا أن يبارزوا الله في المعصية؟! أم يعلمون ولكن لا يصبرون؟! ونسوا أن الله يبشر الصابرين وأن وعده حق لامحال. والنوع الثالث (الصبر على البلاء) أعتبره أكثر الأنواع شيوعاً وديمومة لأنه أصبح ملازم للكثير ولدى الكثير وموجود وملموس فلا أريد بكتاباتي أن أتوجه بالنقد وذكر المساوىء بالعكس فهنالك دائماً مايزرع الأمل في داخلنا، فقد تجسد معناه وجسده الكثير ولاسيما في مجتمعنا الذي عانى ولايزال يعاني، فصبر على الحروب وعلى الحكومات الجائرة التي توالت عليه والتي كان ثمنها غالي جدا ماديا ومعنوياً.
مادياً ما عانى ويعاني من نقص بنى تحتية وخدمات أساسية، ومعنويا ماقدّمه من تضحيات وشهداء ذهبوا إلى الموت بمحض ارادتهم وجسدوا للعالم أروع صور البطولة والبسالة والصبر، وعلى وجه الخصوص ماقام به الحشد الشعبي وأثبتوا لنا وللعالم للذين يقولون ليس هنالك شيء جميل في بلدي بل هم بتلبيتهم نداء المرجعية وبدون مقابل وبزمن قياسي كانوا أروع وأجمل ماحدث في عصرنا الذي لايخلو من عطاء دون مقابل.
فعطاوءهم كان لحب الله والوطن وآل البيت عليهم السلام، وصبر الأمهات وهي تقدم أغلى ماعندها قربةً إلى الله متأسية بجبل الصبر وصرخة الحق الحوراء زينب عليها السلام، والكل يقف عاجزاً أمام هذا البحر المترامي الأطراف المليء بالمعارف والصبر والجلد والعظمة ورباطة الجأش، وعندما نتناول شخصيتها فإننا ننطلق من باب (مالايدرك كله لا يدرك جله).
والذي لايمكن اخفاؤه أنها خير قدوة وأسوة للنساء المؤمنات بل خير مقتدى ومهتدى لكل امرأة، ولعلنا نرتشف من معين معارفها الدروس والعبر لتنير لنا الدرب من ظلمات عصرنا المادي الكالح.
اضافةتعليق
التعليقات