إن في عدة الدهور.. عزة ثابتة ، وقد تقلدتها أصحابها بجدارة.. وتوالت صفحات النور تترا، عمرا مستوسقا لتضئ لنا أثيرا مرضيا، في صفيح إعجازه هداية أخرى تبلور ما نزل بأسلوب ليس له فواق.
وإن في طي التاريخ أحكاما ذات محاور مختلفة، منها من كتبت على نفسها الدوام بذكر القدرة ومحاجر فكرتها، وأخرى قد هزمت إبان ارتفاع أوتادها إزهاقا، فليس المتقين كالفجار، وقد فرض علقم الظلمة حصيرهم واقترن في صفد الحساب عمرا يناهز الشتات..
وجند ما هنالك مهزوم من الأحزاب
حقا، إنه لأمر عجاب، في أن ترتقي قصرا فخيما في عزه فينهار صباحها على قرابينه فتكون البينة حق عقاب.
وليكن في ذاكرة الحرف.. إن لقوام الحق زلفى لا تقبل الزيف وعنوان لا يمسه نصب، بل إيقاع فكره رخاء حيث أصاب من عذب العطاء.
ولدت من بر صحائف تقرأ الدعاء فيكون الشفاء دثارا لقلب مصاب بالإعياء..
الإمام الهادي.. نقي التقى
إن ذكر المتقين محفلا خط بأم الكتاب حمدا شاكرا، لا يمكن بتر خيره وصفاء مقصده وهو للبشرية حسن مآب.. ونقاءه ينبوع لا يقبل كدر السهو، أثير ينضب شهدا وصفوا، وترا خالدا في ذكر آل العصمة الأطهار.. الامام علي النقي الهادي بأمر الجليل المتعال.
كان عصره، مزدحم الثقافة، مكتظ العطاء اللامحدود علما وقلما.. والأبجدية سفيرة قد أخذت منهلا متموج التعددية في الفكرة، إلا أن محبرة علم الامام كانت هي المرجوة السخية في ايضاح ما يشكل اقتناءه، علما أن النقاء يضفي بريقا من نور عليائهم زاهدا طريا لا يحتاج وعموم إيرادات الأفكار الأخرى.
دعونا هنا نلمح ولو مختصرا، إلى نقاوة المبدأ عند بيت الدعاء، وكف الإجابة في حضور العصمة ويد الخير إمامنا الهادي النقي صلوات الله وسلامه عليه.
إن في كنية النعمة، إيفاد مشخصن الترتيل على قلوب لا تعرف سوى سجود الطلب، واحتضان مبدأ الثبات وعزة الوجود مجردة عن ذات اللهو وهذا لا يكون إلا بنقاء عين الروح في ذات الله سبحانه وحسن نوايا العمل..
الامام الهادي سلام عليه لقلب بالنقي وكانت أكثر مزاياه، لأسباب عدت غيبية منها جوهرية وأخرى فكرية بحتة مغربلة تحث المناهج الأخرى للخضوع لمبدأ اليقين، وهو الذي سعى له إمامنا الهادي ابان حضوره محفل التبليغ، أن يجمع أطراف المناهج ويرفع عنهم جوشن التقليد الأعمى الذي فرض نفسه مجتمع التشيع في المدينة المنورة..
فكانت جحافل المؤمنين بمن فيهم وعلى مختلف طلباتهم وطبقاتهم تحوم حول الامام لارتواء علم الصفاء من بلوغ علمه السخي درجة الدراية والذكاء ونقاء الفكرة فكان هو الراوي لعطشى اليقين وسليل نهضة يافعه إيمانا وتبجيلا.
وقد أشار الشيخ المفيد في الإرشاد، إلى ذلك بقوله؛
(كان الإمام بعد أبي جعفر عليه السلام ابنه أبا الحسن علي بن محمد لاجتماع خصال الإمامة فيه وتكامل فضله وأنه الوارث لمقام أبيه سواه وثبوت النص عليه بالإمامة والإشارة إليه من أبيه بالخلافة).
القرآن في مدرسة الهادي النقي
وقد عد الظلم، وسفائس الشر لا مرحبا به في قاموس العافية، فهي تذبح شططا، وتركن السخرية بين طيات سطوره فأضحى فوج مقتحم الرذائل وقد صال النار.
في كل حقبة، هناك ظرفا يعانق مسرة ومضرة في أخرى.. ولعل الحكمة أن التكوين قد أولد لكل فكرة نظير لها وكذلك نفير.. فتضاد بشخوص قد تقمصت رأي ينكره الواقع ويحاسب عليه لاحقا وهذا ماكان اعتباطا أبدا، بل هو ما آلت له النفوس وأفرزت من كبواتها، فأخطأت وتجاسرت فكان سجودها نبأ هم عنه معرضون.
فكان المنذر أن يكون العلم هو الحكم، وهو الشاخص في فريضة التأهيل.. والرجوع إلى فهرس التدوين المتمثل بأهله..
هنا اعتمد الإمام سلام الله عليه أسلوب الدعاء والزيارة، كطريقة لرفع مستوى التثقيف الديني والتربوي الأخلاقي وفق التخطيط المعرفي الإمامي الاثنا عشري والتي ضمنها فتح باب التقرب إلى الله سبحانه والتوسل به ضمن مجموعة فكرية عقدية واجتماعية وسياسية والتي لها الأثر في جبر كاحل الضعف في حياة الشيعة آنذاك.
فارتضت الحركة الانحرافية التي ادعاها الغلاة من الشيعة الدور الأكبر في تحريف القرآن وعدم حجيته وهذا التصريح كان قد ادعاه اتباع الفرق الإسلامية الأخرى..
فارتقى الامام الهادي هنا لرفع هذا الشجن عن كتاب الله وإيداع هذه الشبهة محكمة الأبطال.
فسعى إلى بيان مكانة القرآن الكريم في الفكر الشيعي وهو المصدر الأول والحجة في جميع التشريعات والمواقف عند الشيعة، وإن كل رواية مخالفة للقرآن وحكمه يعد من هفوات اللسان المبهمة.
فشهادة القرآن بتصديق كل خبر وإنكار طائفة من الأمة لزمهم الإقرار به وإن جحدت وانكرت لونها الخروج من الملة، وروى هذا المعنى في تفسير العياشي عن الامامين الباقر والصادق عليهم السلام، قالا:
(لا تصدق علينا الإ بما توافق كتاب الله وسنة نبيه).
زيارة الجامعة الكبيرة
في رياض اعتقادنا، لا تقبل شهادة إلا ما نص عليه الشرع وثبت في كتاب العترة وسنه تقريرا من إمام الطاعة المفروضة.. فكانت الحجة واستدرجت الخلافة في بيت العصمة والطهارة وفاح عطر اقتدارها بقدرة الله وجلال حكمته في اتباعهم وطاعتهم ولاعصيان لقولهم..
وإلا فأخرج فإنك رجيم وعليك اللعنة إلى يوم الدين.. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين..
هنا تكمن حكمة الإتباع، الطاعة المطلقة واذعان النظر لحديث الحكمة والبيان..
هذه الزيارة، هي من أشهر الزيارات للأئمة الطاهرين وأعلاها شأنا وأكثرها شيوعا في الوسط الشيعي، الأمر الذي دعى اتباع المذهب إلى حفظها والاهتمام بها لاشتمالها أبجدية جامعة مانعة ومفردة لم تنطق عن الهوى، تزخر بالمعارف ولها طابع عقدي وحقيقة فكرية فيها بيان حقيقة الإمام الذي يمثل الحجة التامة للحق على جميع البشرية، فهو النموذج الكامل والمتكامل.
واعترف هنا، حصرا، إن كان بوسع الكتاب إجمال الطرح أو اختصاره بموجب ذكر الطيبين وعمق الإحسان ووفرة الكلمة بما فيها من مفردات وضوابط، فإنا مازلنا لم نتخطى حدود البيان لحق الامام سلام الله عليه وثوابت عزته تجاه منشآت التغيير وعملة التصديق بكل حدث تجول الزمن وسكن ردهات الوقت وكتب عصمة بركيزة التاريخ لكل موقف.
لأن مدرسة الإمام الهادي مشرعة ونقطة تحول لمرحلة إتيان الغيب وظهور العدل وسكون القلم لحظة الفرج وتعجيله، وتمهيد لقارعة سيف.
اضافةتعليق
التعليقات