في أحد المجالس دار نقاش حول موضوع أثار العديد من المناقشات، حيث أعلن أحد التجار في موقع من مواقع التواصل الاجتماعي في يوم عاشوراء عن تخفيضات وعروض قيمة بمناسبة عاشوراء كنوع من أنواع الفرح والدعاية والتشجيع.
أثار ذاك الاعلان الجدل بين الناس لما يحمل من ازدراء لقضية الامام الحسين (ع) وعزاء الشيعة، وبعد ذلك بفترة قليلة اعتذر ذاك التاجر وبرر موقفه وانتهى الموضوع.
كان النقاش حول نشر الفتنة بين الناس بإشاعة الأقاويل ونشرها ومن هذه الأمور وسلبيتها على المجتمع.
ولكن موقف إحدى الحاضرين هو ما أدهشني، وجعلني أعيد صياغة بعض الأمور.
كان النقاش كالتالي وكنا ثلاثة:
١- أنا لست مؤيدة لقضية النشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي فليس كل مايصل لي خبر صحيح وثقة لكي أنشره.
٢- نعم معكِ حق يجب التدقيق فتلك مسئولية أمام الله.
١- نعم، مثل قضية (...) وذلك الاعلان بيوم عاشوراء والتخفيضات.
أنا - مابه؟ لقد تابعت حسابه الشخصي بنفسي، فعلاً التخفيضات صحيحة وليست اتهامات.
١- ولكنه اعتذر!، ليس هناك أي داعي لنشر تلك الأقاويل وإثارة الفتن، فقد وضح وجهة نظره وبرر فعلته.
٢- ماذا يعني؟ هل كان لا يقصد مثلاً؟
١- نعم لقد قال انه لا يقصد وإن الموضوع به سوء تفاهم.
أنا - ولكن هذا يوم لاجدال حوله، ما الذي دعاه لهذا اليوم بالذات للاعلان وقد خصه بالاسم
(تخفيضات بمناسبة عاشوراء)؟ وتناقش في الكومنتات مع البعض؟
١- لا دخل لي بذلك، المهم أنه اعتذر وقال إنه سوء تفاهم، ليس هناك داعي لكل هذه الضجة!
الموضوع به أرزاق البشر كيف انشر تلك الأمور وأكون السبب في قطع رزقه؟
أنا - يعني عادي أشتري منه؟ (بلهجتي المحلية)
١- هذا شأنكِ انت، ليس لي رأي.
خرجت المرأة وجلست أنا وصديقتي، ولكن كنت مصدومة وصامتة.
قالت لي..
- ماذا بكِ؟ لماذا هذا الصمت؟
- أتأمل في كيفية تفكير البعض!
- لماذا؟ كلامها منطقي من وجهة نظري وهذا بالأخير رأيها ويجب احترامه.
- وهذا ما يثير حزني، رؤيتها للأمور بهذا الشكل، ولكن أريد أن اسألك سؤال واحد ممكن؟
- بالتأكيد..
- لو أن شخصاً لديه محل مثلاً أساء لوالدك أو والدتك واعتذر وقال انه لايقصد، هل تعودين للشراء منه؟ اوشخصاً من أقاربكم أساء لوالديك ثم اعتذر أو برر موقفه هل تعود العلاقة كما كانت؟
- لا وألف لا، حتى لو كان أقرب شخص لهما.
- حتى وإن اعتذر؟ فهو لا يقصد وذاك ليس من العفو والإحسان!
- لا يهمني اعتذاره فقد جرح أعز شخص على قلبي، لن أحاربه طبعاً ولكن لا يمكن عودة الأمور كما كانت، ولكن لماذا؟
- لن تقبليها على والديك صحيح؟ ولكن عندما يتعلق الأمر بالامام الحسين (ع) فلا قيمة لتلك الأمور أليس صحيحاً؟ لو أن شخصاً أساء بقصد أو دونه اتقبل اعتذاره وكأن شيئاً لم يكن.
هنا اعتلت الدهشة ملامح وجهها من جوابي وأكملت قولي لها:
لماذا الامام الحسين (ع) أهون علينا من الأم والأب؟ أليس هو من نناديه بأبي أنت وأمي؟ لماذا البعض عندما تكون الأمور متعلقة بقضية الامام يتهاون بها؟
هذي ما تسمى فقدان (الحرقة).
هناك فرق شاسع بين الحب الحقيقي والعبادة، البعض يمارس حب الامام الحسين (ع) مجرد طقوس وعبادة لنيل الثواب، أو ما وجد عليه آبائه.
ولكن تلك الحرارة التي يتحدث عنها النبي الأعظم (ص) حيث قال [إن لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لا تبرد أبدا]١، ولم يقل ذلك في أخيه الامام الحسن (ع) تختلف كلياً عن تلك الطقوس العبادية بل في بعض الأحيان والعياذ بالله مفقودة.
لكلمة (حرارة) معنى عظيم وعميق لأبعد مدى لا يدركه إلا المحب الحقيقي والموفق لتلك الحرقة.
إن من أصدق ألقاب الامام الحسين حزناً وحسرة هي قتيل العبرة وهي وارده عن الامام الصادق (ع) حيث قال: [بأبي قتيل كل عبرة، قيل: وما قتيل كل عبرة يا بن رسول الله؟ قال: لا يذكره مؤمن إلا بكى] ٢.
ارتبطت قضية الامام الحسين (ع) بالعبرة والدموع دون غيره، ولكن لماذا؟.
عادة الدموع تكون الواقع الملموس لمشاعر الانسان المعنوية، فالدموع لا تُذرف إلا عند وصول الحزن أو الفرح لذروته، فهي التعبير الحقيقي للمشاعر.
وعلى قدر المصيبة وعظمتها يأتي الجزع والهلع والبكاء، لا يمكن لشخص يهلع أو يجزع دون سبب!.
تلك الأمور مرتبطة ارتباط كلي بالمشاعر فهي كما قلنا الواقع الملموس لما يشعر به الانسان من الحزن والحسرة.
لذلك نجد الحسرة والحرقة والجزع والبكاء وباقي شعائر العزاء الحسينية نابعة من مشاعر صادقة جياشه للامام الحسين (ع)، وذاك الحب ليس مكتسب!.
إنما هو نعمة وفضل عظيم خصه الله عزوجل لفئة دون غيرهم من البقية الخاسرين وهي أعظم عطايا الرؤوف الرحيم.
كما ورد عن الامام الصادق (ع) [مَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ الْخَيْرَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ حُبَّ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَحُبَّ زِيَارَتِهِ وَمَنْ أَرَادَ اللَّهُ بِهِ السُّوءَ قَذَفَ فِي قَلْبِهِ بُغْضَ الْحُسَيْنِ عليه السلام وَبُغْضَ زِيَارَتِهِ] ٣.
حب الامام الحسين (ع) نابع من حُب الله عزوجل لذلك المؤمن وتوفيقه لخير الآخرة قبل الأولى، حُب الامام الحسين (ع) دليل على التوفيق والنجاة ورحمة الله ونعمة يسأل يومئذ عنها يوم القيامة.
ولكن البعض فقد أو حُرم من تلك الحرقة، فنجده يمارس حب الامام الحسين (ع) كنوع من أنواع العبادة والواجبات وكسب الثواب.
فهو يأتي بالأمور المرتبطة بالامام الحسين (ع) من حضور وإقامة العزاء وغيرها من الزيارات والأدعية نوع من أنواع العبادة والواجبات لنيل الثواب فقط، ولكن عند الاختبار الحقيقي نجد إنه بعيد كل البعد عن تلك الحرقة المطلوبة، بل نجد البعض يحارب تلك الشعائر بحجج سخيفة رديئة منها تشويه المذهب!.
فهو لا يريد مجالس البكاء بل يريد تأبين، لا يريد الدموع واللطم، لا يريد الجزع، لا يريد أن تظهر تلك اللوعة والحسرة على الذبيح الغريب العطشان!، بل يحارب حتى قضية الاطعام بعذر الاسراف والتبذير، فقط لانها متعلقة بسيد الشهداء!، ولكن لا نجده يحارب موائد الافراح المترفة والاجتماعات والمناسبات الأخرى.
حتى في أعظم تجمع يشهده العالم وهو زيارة الأربعين، حيث نجد الملايين يأتون بكل خضوع وخشوع لخدمة تلك الأفواج من جميع بلاد العالم دون مقابل، نجده يحاربها بحجج لاينطق بها إلا السفهاء.
تلك الجموع لماذا تخدم بكل ما تملك من قوة ومال وكل ما تملك؟ لماذا تجمع وتستعد طول العام وشهوره لهذه الأيام القليلة من طعام ومؤونة وغيرها؟ لماذا يفتح الآلاف منازلهم للغرباء بل حتى فراشهم الخاص؟ لماذا نرى يتذلل شيخ العشيرة وعميدها الموقر لمسح أحذية هؤلاء الناس وربما يقبلها؟ أليس هذا دليل على جنون العشق الحسيني؟.
الحُب الحقيقي يكون بدون مقابل بشكل مطلق، يكون نابع من القلب ومحاولة مستمرة دائمة لإظهار تلك المودة فعلياً وليست لقلقة لسان بائس، كما في قصة تلك القصيدة العصماء من نظم العالم العامل المرحوم الشيخ محمد علي الأعسم وهي من القصائد المخلدة ولها قصة عجيبة حيث قال:
[تبكيك عيني لا لأجل مثوبةً لكنما عيني لأجلك باكية]٤.
لأجلك يا أبا عبد الله، أرتدي السواد وأجزع وأذرف الدموع وأندب بالعويل كما يندبك صباحاً ومساءً مولاي الحجة في زيارته المفجعة.
[فَلاَ نْدُبَنَّك صَباحاً وَمَسآءً، وَلاَبْكِيَنَّ لَك بَدَلَ الدُّمُوعِ دَماً، حَسْرَةً عَلَيْك، وَتَأَسُّفاً عَلى ما دَهاك وَتَلَهُّفاً، حَتّى أَمُوتَ بِلَوْعَةِ الْمُصابِ، وَغُصَّةِ الاِكْتِيابِ]٥.
هذا هو المصداق للمودة التي أمر الله بها للنبي الاعظم (ص) والتي نطق بها وحياً عن الجليل تعالى حيث قال في المصحف الشريف [قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ۗ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ] ٦.
حبُ سيدي الامام الحسين (ع) ليس طقوس عبادية إنما هي إكسير المودة والحياة، فهل نحن نمتلك ذاك الإكسير وتلك الحرقة؟
وفي الختام أسأل الله عزوجل تضرعاً بسيد الشهداء داعية..
اللهم يارب الحسين بحق الحسين ارزقني الحرقة واللوعة على الحسين إلى أبد الآبدين ولا تحرمني الدمعة فهي دليل رضاك يارب العالمين.
اضافةتعليق
التعليقات
Kuwait2019-10-01