كثيراً ما وقفتُ على الأطلال، منذُ أن كان عمري حين ذاك اثنى عشرَ غصناً، كان يعجبني دائماً أن أصنع كعكة الشاي، لكن للأسف تفشل كل محاولاتي، واحدة تلو الأخرى، وكنتُ أصطاد أوقاتاً لم تتواجد أمي فيها في المنزل لكي لا تلومني بإتلاف المواد الغذائية، فكنت أضطر إلى رمي الكعكة الفاشلة إلى الحيوانات قبل عودة أمي إلى المنزل.
لكن!! كانت حتى الحيوانات تأبى أن تأكل تلك الكعكة الفاشلة، يا لهول المحاولات الفادحة، فالحيوانات التي تأكل كل شيء تأبى أكل هذه الكعكة، فكم هو يا الهي من موقف محزن، لكن لم يوقفني شيء حتى وإن أتوقف مدة أرجع بعد مدة أخرى، حينها لم تكن وسائل التكنلوجيا والتحديث داخلة إلى العراق آنذاك.
فكم من مواقف فادحة واجهتني، وكم من مواد غذائية أتلفتها بإختلاف الأسباب لكن النتائج بائسة في كل مرة ومرة أسوء من قرينتها، وبقيت عندي الرغبة تزداد في كل مرة أفشل فيها، كان يتولد عندي دافع قوي للإصرار والتحدي والبدء من جديد بعد السابق، كان الانجذاب يزداد والتفاؤل يسبق كل كياني.
إنني سأنجح بعد كل هذه المغامرات الصبيانية، تخرجت من الجامعة وبدأت مواقع التواصل تتوسع انتشاراً، ولا زلت أبحث لأتعلم كيف أعمل الكعك، ذات مرة كنت أتصفح في برنامج الانستغرام وكانت إحدى السيدات عندها مشروع صنع الكعك حسب الطلب مقابل أجور معينة، لكن الذي جذبني في حسابها أنها شارحة طريقة صنع الكعكة بحذافيرها وبطريقة ناجحة إن اتبعت كل الوصفة بحذافيرها، كذلك طريقة عمل الكريم وكل ما يتعلق بالكعك عند محلات الحلوانيين، فبدأت بالتجربة وكانت ناجحة ومتقنة من المرة الأولى.
فأنا كالذي صنع معجزة عمره، سُعِدتُ جداً بهذا العمل، لم أكن أريد أن اتخذها كمهنة إنما هذا مجرد هوس ورغبة بصنع الكعك، فصار كل من حولي من الأقارب والأصدقاء مندهشين بعمل الكعك الذي أقوم به، ويفضلونه على الكعك من محلات الحلوانيين، يقولون أن طعمه ممتاز وفاق كل ما أكلناه من الكعك سابقاً، لأن الفم له رغباته الخاصة ويميز النكهات اللذيذة من سواها، وحتى منهم من لم يرغب ولا يحب الكعكة الجاهزة لكنه يحب الكعك الذي أصنعه أنا.
هذا أبسط مثال عشته للوصول لما أريده عبر سلم الأمنيات بعمل واجتهاد وتفانٍ يصل الإنسان لطموحه مهما كان ذلك الطموح صعبا وقاسيا عليه، ولن ينجح الانسان إلا بمحاولات الفشل، لأنه لا يصنع النجاح إلا الفشل والتكرار لحين الوصول للمبتغى.
فالهدف لا يتحقق إلا بالسعي المتكرر، وأيضا الصبر وعدم اليأس فعبر ما يقارب ١٢ عاما بفترات متفرقة أحاول الوصول لهدفي لحين حققت النجاح المبهر فمن كعكة لا يأكلها حتى الحيوانات لكعكة أبهرت الجميع وحتى من لا يحب أكل الكعك يحبها، فالنجاح والاصرار يصنع حلم الإنسان بنفسه وسعيه لمبتغاه برفقة الصبر والعزيمة.
اضافةتعليق
التعليقات