أتذكر في السنة الأولى التي حظيت بها في السير إلى مولاي الحسين (عليه السلام) في مسيرة الأربعين، وصلنا إلى منطقة قريبة جدا من كربلاء وكان اليوم الثامن عشر من صفر، حيث نزلنا عند أحد المواكب لصلاة الظهر، فسألت -أسئلة ساذجة! - صاحبة ذلك الدار عن هل هناك ازدحام شديد الان؟ هل نتمكن أن نصل لمشهد الامام أم لا؟
كان كل شيء جديد عليَّ.. ولا أعرف ماذا سيحصل؟ وكنت فقط متشوقة للوصول، ((فالذهاب الى الامام الحسين عليه السلام سيراً على الاقدام له طعم عجيب وغريب، لا زلت بعد مضي سنين كثيرة أتزود من تلك الأيام.. ومن تلك الخطوات.. كما هو حال كل الزوار..
فلا زالت أثر نسمات الهواء تلك التي كانت تلاطفنا طوال المسير باقية في النفس، وحتى تلك الحرارة في الظهيرة.. كانت مختلفة وجميلة، والنهوض في وقت صلاة الفجر مع برودة الجو، التوضؤ بماء شديد البرودة لم يكن شيء صعب، كان كل شيء مختلف بل ومحببا لأنه لأجل عين الحبيب، وطلباً لمرضاته؛ وأجمله حبات المطر التي تتساقط علينا ونحن نسير مع بزوغ الفجر، حيث كنا نتسابق بالدعاء، ومناجاة رب السماء، فالدعاء تحت المطر مستجاب لكن كانت كل دعواتنا هي الوصول.. الوصول فقط)).
والآن لنعود إلى رد تلك السيدة، قالت: لا! لن تتمكني من الدخول لكربلاء، وإن حالفك الحظ فإن من الأفضل لكِ من بوابة الدخول لكربلاء أن تسلمي وتعودي، هناك عشت في حيرة وألم شديد، وأحسست بأن كل أحلامي برؤية القبة عن قرب أو الدخول للحرم لم تعد قابلة للتحقق.
أختي قالت: لا تصغي اليها، كلامها ليس صحيح، سنصل إن شاء الله.
قلت لها: لكنها اعرف بالمكان وأهله.
ومن ثم خرجنا وأنا في غاية الحزن، كان هناك طريقان للسير، وإذا بأحد اصحاب المواكب على الجهة المقابلة يقول بصوت عال وصل إلينا يخاطب الزائرين بلهجته البسيطة وكان فحوى كلامه:
"من يأتي الى الحسين عليه السلام، فإن أخيه ابي الفضل عليه السلام يتكفل بوصوله ويحسن ضيافته، اكملوا المسير وادعوا لنا هناك عند الوصول".
وقتها انتابني فرح امتزج بدمعات بهجة واطمئنان في قلبي، شعرت في تلك اللحظات كم إن الإمام قريب.. وقريب جداً.
وهكذا حتى وصلنا في المساء وكان الطريق سالك والشوارع رغم الازدحام لكنها -وكأنها - تتسع للجميع، وترحب بالجميع، كساكنيها الكرام، فلكل زائر مكان ومحط قدم وفرصة لإلقاء التحية والسلام على قبة أبي الأحرار.
اضافةتعليق
التعليقات