ماذا لو شربنا قطرة ماء واحدة؟ ماذا لو أكلنا لقمة واحدة؟ ماذا لو فعلنا فعل حرام واحد؟ إلى آخره من التساؤلات التي قد تُطرح لغرض معرفة لمَ كل هذا التدقيق والشدة في وجوب الالتزام بالإمساك عن المفطرات فيما فرض الله تعالى علينا في شهر ضيافته؟! فالصائم هنا يقول أمسكت عن كل شيء طوال نهار يومي هذا، ما الذي يؤثر لو لم امتثل للحظة أو دقيقة؟ فاللحظة لا تساوي شيء في قبال لحظات يوم كامل!!
نعم في المقاييس البشرية قد يكون هذا صحيح لكن في المقياس الإلهي الأمر مختلف فاللحظ هي صاحبة الأثر الأشدّ الأكبر، لذا لعل وجه من وجوه علة ذلك هو حتى يتدرب الصائم على الدقة في التعامل مع أوامر الله تعالى، فلا يهمل تلك الذرة التي يعملها فإن كانت خيرًا يزدها، وإن كانت شرًا يتوب منها.
فهكذا تفكير هو ناقوس خطر يحتاج الإنسان للصيام كي يوقظه فلا يغتر بالأعمال الصالحة الكبيرة التي يضعها في وعائه للتزود للآخرة، ويتسامح في عمل طالح صغير جدًا، فهذا العمل المستهان به هو كالثقب الصغير الذي يُسرب من ذلك الوعاء الأعمال الصالحة الأخرى شيئًا فشيئًا… وما أن يصل في آخر عمره حتى يجده قد ضيعها كلها، وانسكبت منه وهو سائر في طريقه للقاء ربه حيث مثواه الأخير…
لذا واحدة من عِبر الصيام إنه يربينا على الدقة، ولهذا هو شهر اكتساب التقوى، اذ قال تعالى {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ، فالمغبون من دخل الضيافة ولم يزد في تقواه، والخاسر من سيخرج منها دون أن يقوي بصيرته ليرى بها ثقوبه الصغيرة، ليحفظ بذلك زاده الذي يتزوده إلى ما بعد رحيله.
والعبرة الأخرى التي يمكن أن نأخذها هي مقياس الكيف لا الكم الذي يريده تعالى في فريضة الصيام ، أي أننا مطالبون بحسن التعامل مع كل لحظة بالحرص على ألا نخالف بها أوامر الله تعالى التي توجب بطلان ونقض صيامنا، ففي ذلك ايضًا تدريب لهذه النفس لتتعلم كيف تتعامل مع هذه الحياة التي تعيشها وتستثمرها وتقدر كل لحظة يمكن من خلالها صنع مصير أفضل في العالم الآخر.
أولسنا نبتدئ في أول يوم من شهر الضيافة بترديد هذا الدعاء: [ اَللّهُمَّ اجْعَلْ صِيامي فيهِ صِيامَ الصّائِمينَ وَ قِيامي فيِهِ قِيامَ القائِمينَ، وَ نَبِّهْني فيهِ عَن نَوْمَةِ الغافِلينَ]، ونختمها بقولنا بدعاء: [اللَّهُمَّ اجْعَلْ صِيَامِي فِيهِ بِالشُّكْرِ وَالْقَبُولِ عَلَى مَا تَرْضَاهُ وَيَرْضَاهُ الرَّسُولُ، مُحْكَمَةً فُرُوعُهُ بِالْأُصُولِ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّيِّبِينَ الطَّاهِرِينَ].
اضافةتعليق
التعليقات