في بعض الأحيان تمر ببعض المواقف لا تستطيع فيها التعبير مثلا هل شعرت من قبل أن لا شيء يستطيع أن يجعلك تشعر بالفرح أو السعادة؟ هل وقع حدث حزين بكي بسببه مَن حولك بينما شعرت أنت أنك منفصل تماما لا تستطيع البكاء ولا الشعور بالحزن، كأنه يفصلك جدار سميك عمّا يحدث؟ إذا كُنت قد جربت هذه الحالة، فهناك مصطلح يُستخدم لوصف هذا الشعور يُسمى "التخميد العاطفي" أو "التهدئة العاطفية" أو "الانفصال العاطفي"، وهو مصطلح يصف الحالة العاطفية الباهتة التي قد يمر بها بعض الأشخاص، خاصة الأشخاص الذين يتناولون مضادات الاكتئاب.
قد لا يُظهر الشخص المُصاب بالتخميد العاطفي سوى القليل من المشاعر في السياقات العاطفية. على سبيل المثال، قد يتذكر الشخص الذي يُعاني من حالة "التخميد العاطفي" حادث وفاة والده فيسرد التفاصيل الواقعية للوفاة، لكنه قد لا يشارك الكثير من المعلومات حول شعوره، وقد يُظهر أيضا القليل من تعبيرات الوجه أو يتحدث بصوت رتيب.
ما التخميد العاطفي؟ وما أعراضه؟
عند الإصابة بالتخميد العاطفي، فإنه يكون عبارة عن طريقة واستراتيجية لحماية النفس من المزيد من الألم العاطفي والنفسي والجسدي، بعد التعرض للكثير من الأخبار الصادمة والمؤذية.
إذ إن هذه الطريقة التي يلجأ لها العقل، والتي تدخل في خانة دخول الشخص في مرحلة تأثير ما بعد الصدمة، قد توفر له راحة مؤقتة، لكنها في نفس الوقت تكون من الصعب التعامل معها بالطريقة الصحية على المدى الطويل.
تشمل الأعراض التي يُبلِّغ عنها الأشخاص الذين يُعانون من هذه الحالة ما يلي: عدم القدرة على الضحك أو البكاء حتى في المواقف التي تستدعي ذلك بشدة، الشعور بتعاطف أقل مع الآخرين، فقدان الدافع وعدم الرغبة في فعل شيء، عدم القدرة على الاستجابة بالمستوى نفسه من المتعة الذي اعتاد الشخص على إظهاره تجاه الأنشطة الممتعة، مع صعوبة الحفاظ على العلاقات وعدم الاهتمام بها، الشعور بالإعياء، الشعور بالانفصال عن جسدك أو عقلك، النسيان.
هذا بالإضافة إلى بعض الأعراض الأخرى مثل تباطؤ التفكير، وانخفاض الرغبة الجنسية، وفقدان التركيز، واللا مبالاة تجاه نفسك أو تجاه مَن تحبهم، والأرق والشعور بالفراغ أو الخدر، وقد ينعكس التخميد العاطفي في تعابير وجهك وغيرها من الإشارات غير اللفظية. (4)
قد ينخرط الشخص الذي يُعاني من التخميد العاطفي أيضا عن غير قصد أو عن قصد في سلوكيات ضارة محتملة لإيذاء النفس، في محاولة للشعور بأي شيء حتى وإن كان مؤلما. قد تشمل هذه السلوكيات القيادة بسرعة على الطريق السريع، أو تعاطي كميات كبيرة من المخدرات أو غيرها.
أسباب التخميد العاطفي
هناك مجموعة متنوعة من الأسباب التي قد تجعلك تشعر بالتخميد العاطفي، غير تلك المتعلقة بالتعرض للأخبار السلبية والصورة المحزنة لفترات طويلة، وتتمثل في:
القلق: إذ يكون التخميد العاطفي عبارة عن رد فعل لمستويات التوتر المرتفعة للغاية أو الخوف أو القلق المفرط.
اضطراب الشخصية الحدية (BPD): إذ قد يعاني الأشخاص المصابون بهذا المرض من فترات من الانفصال العاطفي، وقد يشعرون كما لو أن مشاعرهم لا تعبر عنهم.
الاكتئاب: إذ إن الأشخاص الذين يمرون بنوبات اكتئاب قد يكونون أقل انسجاماً مع مشاعرهم، أو يعانون من تبلد في المشاعر.
تناول بعض الأدوية: يمكن أن تكون لبعض الأدوية خصوصاً تلك التي تعالج الاكتئاب والقلق بعض الآثار الجانبية التي تسبب الشعور بالتخميد العاطفي.
الإجهاد: حيث يمكن أن ينجم التخميد العاطفي عن مستويات عالية من الإجهاد والإرهاق العاطفي والجسدي؛ مما يؤدي للشعور بالانفصال عن المشاعر.
اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD): يلجأ بعض الأشخاص إلى التخميد العاطفي كوسيلة لإدارة الألم العاطفي والجسدي، من خلال تجنب الأفكار أو المشاعر أو المحادثات المتعلقة بحدث صادم.
في سياق مشابه، استهدفت دراسة استقصائية عبر الإنترنت، شملت نحو 1431 مستخدما لمضادات الاكتئاب من 38 دولة، تحديد الآثار الجانبية الضارة الأكثر شيوعا للعلاج، وجاء "التخميد العاطفي" في المرتبة الأولى، حيث عانى 70.6% من الأعراض التي كان أبرزها "الشعور بالابتعاد أو الانفصال.
يؤدي حدوث التخميد العاطفي إلى تقليل جرعة الدواء أو التوقف عن تناول الدواء والتحوُّل إلى دواء آخر. فقد وجدت دراسة كندية شملت نحو 896 مشاركا، كان 49.9% منهم يعانون من اضطراب اكتئابي كبير (MDD)، و50.1% منهم يعانون من اضطراب ثنائي القطب (BP)، أن التخميد العاطفي كان أحد الأسباب الرئيسية لوقف العلاج. فبعد زيادة الوزن والنعاس المفرط، احتل التخميد العاطفي المرتبة الثالثة في أسباب التوقف عن العلاج بين المصابين بالاضطراب الاكتئابي الرئيسي.
من ناحية أخرى، وجد العلماء أنه ليس كل مَن يتناول مضادات الاكتئاب يُصاب بالتخميد العاطفي. لذلك كان من الصعب على الباحثين استنتاج سبب محدد لحدوث هذا التأثير. توصَّل الباحثون إلى أن من المُحتمل أن يؤدي اختلال التوازن بين الهرمونات الرئيسية الثلاثة، السيروتونين والدوبامين والنورأدرينالين، إلى حدوث التخميد العاطفي، وأن أولئك الذين يعانون من نقص هرموني أساسي سيكونون أسوأ حالا.
كيفية يتم التعامل مع الصمت العاطفي؟
هناك جانبان لعلاج الصمت العاطفي. سيشمل أحدهما العمل مع أخصائي الصحة العقلية، والآخر هو ما يمكنك القيام به؛ للمساعدة في إدارته بنفسك.
أفضل طريقة لعلاج الصمت العاطفي هي معالجة السبب أو الأسباب الكامنة. لهذا السبب من المهم أن ترى أخصائي رعاية صحية نفسية إذا كنت تعاني من صداع عاطفي.
تتضمن بعض خيارات العلاج المحتملة التي قد يوصي بها أخصائي الرعاية الصحية العقلية ما يلي:
- العلاج النفسي، العلاج بالكلام. يمكن أن يعالج هذا حالات الصحة العقلية التي يمكن أن تسبب التباطؤ العاطفي، مثل اضطراب الشخصية الحدية، واضطراب ما بعد الصدمة، أو الاكتئاب.
- الجرعة أو تعديل الدواء. هذا مخصص للأشخاص الذين يبدو أن صمتهم العاطفي ناتج عن أدوية نفسية أو أدوية أخرى موصوفة.
بينما يجب أن يعالج الصمت العاطفي وأسبابه من قبل أخصائي رعاية صحية عقلية مرخص، هناك الكثير الذي يمكنك القيام به بنفسك؛ للمساعدة في التخلص من التخميد العاطفي.
- عندما تشعر بالخدر أو الفراغ، قم بتحفيز واحد أو أكثر من حواسك بأمان. قد يشمل ذلك احتضان حيوان محشو، أو أخذ حمام دافئ أو دش، أو الإمساك بقطعة من الثلج، أو تناول طعام حار أو ذي نكهة قوية.
- حاول العودة إلى الأنشطة التي استمتعت بها من قبل. حتى إذا كنت لا تشعر بنفس القدر من السعادة التي استخدمتها هذه الأنشطة لملئك، فلا يزال بإمكانها تعزيز الحالة المزاجية وفتح نطاقك العاطفي.
- انضم إلى مجموعة دعم وأنشئ نظام دعم شخصياً للمساعدة في التعامل مع أي اضطرابات عقلية تم تشخيصها.
صحيح أن فعل هذا الأشياء قد لا يُحسِّن من حالته المزاجية فورا، وقد لا يصل به إلى مستوى المتعة الذي اعتاد عليه فيما سبق، ولكنه على أي حال قد يساعد ولو بشكل بسيط في التعامل بفعالية مع التخميد العاطفي. ذلك لأننا عندما نقوم بأنشطة نستمتع بها أو نقضي وقتا مع الآخرين، فإننا نحصل على مزيج عصبي كيميائي من الناقلات العصبية والهرمونات مثل الدوبامين والأوكسيتوسين والسيروتونين، وهي الهرمونات التي يُطلق عليها اسم "هرمونات السعادة".
قد يكون من المفيد أيضا أن يقوم الشخص المُصاب بالتخميد العاطفي خلال يومه ببعض الأنشطة التي تُحفِّز حواسه، ومن هذه الأنشطة: النظر إلى صور أحبائه أو مشاهدة النجوم، تربية حيوان أليف، الإمساك بمكعب من الثلج، تناول مشروب دافئ أو طعام حار أو لعق قطعة من الليمون. هذه الأنشطة من شأنها أن تُحفِّز الحواس وتساهم في استعادة الشعور.
اضافةتعليق
التعليقات