جاء في بحار الأنوار للعلامة المجلسي (أعلى الله مقامه)(١).
ناقلاً عن تفسير علي بن إبراهيم: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ﴾ أي لن تنالوا الثواب حتى تردوا على آل محمد حقهم من الأنفال والخمس والفيء(٢).
ياتُرى هل ما نحبه هو فقط الأموال؟
أو بالأحرى هل ما نحب هو الماديات فقط؟
أ وليس أكثر ما نحب هي روحنا؟
ترى من أعطى من روحه لينال البر، من أنفق بأثمن شيء عنده ليصل للمعبود؟.
لنستقرئ التاريخ الذي ينقل لنا أشخاص تسامت روحهم فتعالوا بها نحو الملكوت ومنهم من أعطى كل مايملك من ماديات ومعنويات، بل أعطى كل وجوده.
شخصية فذّة، احتوت أجزاء الكمال ووصلت إلى القمة في عطاياها.
كانت عظيمة وجليلة وقدوة يقتدين بها النساء، بل هي قدوة حتى للرجال لمن يريد أن يعرف معنى التضحية والعطاء، فيتعلم منها كيف تكون التضحية في الغالي والنفيس ...،
زرعت بذور الإيثار والتضحية والحُب في نفوس أبنائها ونفوس الأحرار منذ اليوم الأول من زواجها، بل أول ما وضعت قدمها في بيت زوجها الحافل بالسعادة والحُب والطمأنينة. والذي تتمناه كل الفتيات، يتمنين أن يصبحن عروس هذا البيت أو يكن كالملكة في هذا البيت المفعم بالعظمة والخير والبركة.
لكن هي لا تفكر كالأخريات! فأول وصولها إلى دار زوجها اشترطت عليه وهي غارقة في خجلها منهُ قائلة:
لن أدخل حتى تأتي بأقمار هذا البيت،
استجاب لها زوجها، دخل الدار وأخرج ولدين وبنت كأنهم فلقة قمر
فقالت لهم:
أتأذنون لي بالدخول حتى أصبح خادمتكم؟
يبدو أنها فعلاً عالمة جيداً بمكانة هؤلاء الأقمار.
أجابوها بحنان: نعم، تفضلي على الرحب والسعة.
فمنذ أول لحظة لدخولها دار العظمة غاصت في أعماق التضحية والإيثار
إلى أن رزقها الله بولدها الأول قمراً بهيئة بشر ، حقاً إنهُ قمر وأصبح لقبهُ "قمر العشيرة".
كانت تلقنهُ قبل ولادته دروساً في الغيرة والفداء لأخوتهُ.
وتقول لهُ:
يابُني إياك أن تأكل مع أخوتك أو تجلس معهم كما يجلسون ...،
فأنتَ إبن خادمتهم. وهم أبناء بنت رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - لا تخجلني أمام أمهم سيدتي وسيدة نساء العالمين، هم أئمة مفترضي الطاعة وأنت عبدهم وابن أمتهم.
ربّت أبنائها الأربعة على هذه الخصال الحميدة، كانت لا ترى غير سادتها ورضاهم عنها، كل وجودها بذلتهُ لذلك الأمر.
فأصبحت باباً للحوائج، وأم باب الحوائج الذي لم يقصدهُ أحد بحاجة إلّا ونال مطلبه.
وحتى في ذلك اليوم الذي أخبروها به عن استشهاد أبنائها لم تبالي ولم يرف لها جفن، حيث كان همها الوحيد سلامة إمامها وحبيبها الحسين صلوات الله وسلامه عليه.
كيف تميزت هذه السيدة العظيمة عن بقية زوجات المعصومين عليهم السلام؟
كيف نالت أعظم درجات البِّر وأصبحت لها مكانة رفيعة ومنزلة خاصة عندهم - صلوات الله عليهم-؟
الجواب هو:
لشدة تعلقها بهم، أنفقت أحب شيء لها، أغلى ما تملك في سبيل رضاهم والوصول للقمة.
حتى أصبحت عزيزة سيدتنا الزهراء سلام الله عليها.
هذه السيدة الوقورة العفيفة التقية النقية فاطمة الكلابية الملقبة ب" أم البنين " صلوات الله عليها.
علينا أن نقتبس شيء من تضحياتها وإيثارها وحبها وعشقها وتعلقها بمولاها من افترض الله طاعته إمام زمانها خليفة السماء.
فما نقدم نحن لإمامنا المفدى صاحب الزمان عجل الله فرجه؟.
1- (ج- ٢٤- ص٢٧٨)
٢- تفسير القمي :٩٧
الآية المباركة : آل عمران٩٢
اضافةتعليق
التعليقات