لم يكن ليخطر في بال الملكة الاشورية (سميراميس) وهي تحكم بلاد الرافدين، ان تتعرض حفيداتها مستقبلا الى ابشع انواع العبودية والاضطهاد على يد اسوأ انواع البشر سلوكا، عندما يحتل برابرة العصر الحديث (داعش) هذه الارض التي شهدت اولى مواضع حفظ كرامة المراة وهيبتها وقوتها.
رغم أنّ المرأة هي نصف كل المجتمعات من الناحية النظرية، الا انها مازالت تفتقد لمقومات الحياة الحرّة الكريمة على ارض الواقع، وفي ظل ما يعاني العراق من واقع سيء على كل الاصعدة، كان للنساء في هذه المعاناة حصة تجاوزت ذلك النصف الذي يفترض ان تتمتع بحقوقها منه، جرت ترجمتها بكل الاشكال من عبودية وانتهاك لكرامتها وحريتها على مرأى ومسمع المجتمع الدولي.
ففي الوقت الذي تسعى المرأة الى رفع الحيف عنها وفك قيود مظلوميتها والمضي لاعلاء شأنها، تظهر فجأة وبشكل سريع ومخيف نكبة جديدة تضاف لنكباتها العديدة التي عانت منها عبر التاريخ، فكانت دائما ضحية النزاعات والحروب والطائفية عندما استمرت لسنوات طويلة تلعب دور الأم التي تذوق الامرّين من اجل تربية اولادها، راضية بكفاف العيش من اجل تنشئتهم النشأة الصحيحة بعد ان فقدت معيلها جراء الحروب المتكررة فكان شهيدا او مفقودا او اسيرا، لتعود من جديد وتهدي هذه الحروب حطبا من فلذات اكبادها يعودون في كل مرة يلفّهم علم هذا الوطن الذي أبى إلا ان تكون المرأة هي الداء والدواء في كل وقت وحين.
من ناحية اخرى فهي غالبا ما كانت تقع تحت ويلات جرائم الشرف وغسل العار التي تفتك بالمرأة دون رحمة او شفقة، معتبرة اياها فريسة يسهل اقتناصها والنيل منها ثم ادانتها بمنتهى التبجج وتحت وصاية القوانين المنقوصة، كما انها لم تكن بعيدة عن جرائم الاتجار بها والتعامل بكينونتها بمنتهى الاهانة، فهاهي اليوم وبعد ان احتلّت (داعش ) مساحات غير قليلة من البلاد، اصبحت المرأة تؤخذ ك(سبيّة ) تباع وتشترى كسلعة رخيصة في اسواق النخاسة والرق ويتم عرضها في اسواق للنخاسة تم افتتاحها خصيصا لهذا الغرض، وامعانا في الاذلال والانتهاك يجري وضع تسعيرة مخفّضة للنساء كلما زادت اعمارهن او انخفضت مستويات جمالهن، حتى أصبح سعر المرأة في بعض أسواق الفلوجة لا يتجاوز الدولارات العشرة.
ومن سخرية الاقدار ان كل هذا يحدث في بلاد شهدت اول قوانين الارض التي حفظت للمرأة حقوقها ونظمت تفاصيل حياتها الحرة الكريمة، فقبل الاف السنوات كانت مسلة حمورابي العظيم تحتوي على اكثر من ثلاثين مادة تتعلق بحقوق المرأة وحريتها في الوقت الذي كانت فيه باقي نساء العالم يعانين الظلم والاستبداد وانتهاك الحقوق.
اما اليوم ورغم كل ما تتعرض له المرأة، فقد بقيت مواقف كل من السلطات التنفيذية والتشريعية والمؤسسات الدولية ضعيفة وخجولة لاتتناسب مع حجم السخط والاستنكار الذي يتعالى في الشارع مطالبا المجتمع الدولي والمؤسسات الانسانية والرأي العام بأتخاذ مواقف اكثر شجاعة وصرامة وتبنّي قضايا المرأة بشكل جدي وملموس على ارض الواقع.
ربما يأتي اليوم الذي تعود فيه المرأة في بلاد الرافدين تتسيد مجتمعها كما كانت على مر العصور، مثالا للمرأة الواعية المثقفة التي تصنع الحياة وتبني المستقبل وتعيد امجاد الملكة (شبعاد)، ولتبقى هذه الارض مهد الحضارات وموطن المدنية والرقي ومحط انظار العالم وقبلته.
حتى ذلك اليوم ستبقى النساء في بلاد الرافدين قوارير متاح للجميع كسرها والنيل منها.
اضافةتعليق
التعليقات