إن الإيمان لا يحصر في القلب، وما القلب إلا جزء من الإنســان، فإذا آمن الإنسان آمن قلبه وآمنت جوارحه كلها، وإذا لم يؤمن الإنســان لم يؤمن جسده كله.
إما أن يؤمن قلب الإنسان ولا تؤمن جوارحه فقط، وهذا ما قد يقال عنه النفاق العقائدي فمعنى ذلك تناقض الإنسان لنفسه، فكيف يمكن أن يؤمن القلب وهو قائد ولا تؤمن الجوارح وهي جنود؟ فإذا لم تؤمن الجوارح دل على عدم إيمان القلب.
وفي تفصيل آخر إن الإيمان طاقة، فإذا لم تمارس تضاءلت وتلاشــت، كأية طاقة في الإنســان، عندما لا يحرك الانسان يده ستموت كذلك القوة العقلية فالعلم إذا لم يمارس يفقــد معالمه، والذاكرة إذا لم تمارس تفقد استيعابها.
وفي قول إن الإيمان إذا لم يمارس، أصابه الضمور.
يتصور البعض أن القصد من الايمان هو مجرد معلومات عن الله تعالى والكون والحياة، حتى يمكن أن يبقى قائماً بنفســه من دون علم في الجوانب الأخرى
وقد عرف في تعبير عملي عنه إنما الإيمان نور يشــرق في القلب، نتيجة للمعلومات الصحيحة عن الخالق فيما خلق.
وهذا النور إذا أشرق في القلب بصيص منه، يلزم تغذيته بالعمل الصالح، حتى يبقى ويقوى وإذا انقطع عنه الإمداد العملي، وناقضه السلوك، خفت وانطفأ، وترك مكانه للظلام.
كيف يمكن أن يكون في القلب ولا يتأثر به الإنســان في عمله؟
والإنســان يتأثر حتى بأبسط معلوماته فلــو علــم أن هذه المادة (ســم) تجنبها، وإذا علم أن تلــك المادة (دواء) تجرعهــا، وإذا خالف بعض معلوماته لمؤثرات متناقضة، فلا يخالفها باســتمرار، ولا يخالف إذا تأكد من شــدة الضرر وكثرة المنفعة وإنما يتهاون في الأمور البســيطة إهمالا لها، أما في الأمور الحاسمة فيحتاط، حذراً من أبسط مخالفة، ومن احتمال مخالفة فكيف يمكن أن يكون الإنسان مؤمناً، ويعرف المخاطر الرهيبة والمنافع الهائلة، ثم يخالفها باستمرار؟! ومن أين ينبع العمل، إلا من القلب؟! فإذا كان القلب مؤمناً فكيف يوحي بالإجرام؟!
ولذلك ورد في الحديث: (الإيمان: تصديق بالجنان، وإقرار باللســان، وعمل بالأركان)
فالذي يقول: (نظف قلبك)، إنما يسول لنفسه شيئاً لا يعترف به هو في أي مجال حياتي:
فإذا كان مديراً لدائرة، فهل رضى أن يكون موظفوه مخلصين له بقلوبهم ومخالفين له بأعمالهم؟!
وإذا كان رب بيت، فهل يقبل من أبنائه أن يتوددوا إليه ويناقضوه في كل تصرفاتهم؟!
وإذا كان صاحــب معمل، فهل يوافق أن يكون عمالــه موالين له حتى درجة الفداء، وفي نفس الوقت سراقاً مهملين كاذبين محتالين؟!
وإذا كنا لا نقبل ممن تحت أيدينا شيئاً، فكيف نريد أن يقبله الله منا؟!
فالتجاوب ثابت بين القلب والعمل، فإذا ســاء أحدهما دلّ على ســوء الآخر، وإذا حسن أحدهما دل على حسن الآخر، ولا يمكن فصل حساب أحدهما عن حساب الآخر، إلا إذا أمكن فصل المؤثر عن المتأثر، وتجزئة الدليل عن المدلول.
اضافةتعليق
التعليقات