ولدت فاطمة بعد مبعث الرسول الأكرم بخمس سنوات، أي قبل الهجرة بثمان سنوات، في العشرين من جمادي الآخرة في يوم الجمعة. وهي آخر أولاد الرسول من خديجة. ولدت في مكة، وفي بيت الوحي والجهاد، وفي أجواء الصبر والصمود وتحمل المشاق، وترعرت في غمار العواطف الصادقة والحب الطاهر المتبادل بين رسول الرحمة وبين خديجة التي ما نسي النبي عواطفها وإخلاصها طوال حياته. فتحت الزهراء عينها في وجه الحياة لتشاهد وجه أبيها الرسول، وترضع من أمها السيدة خديجة الحليب الممزوج بالفضائل والكرم (١).
وهناك عدة روايات ذكرت انعقاد نطفة الزهراء (عليها السلام) من ثمار الجنة. فعن عائشة قالت: قال رسول الله :)) : لما أسري بي إلى السماء وخلت الجنة فوقفت على شجرة من أشجار الجنة لم أرى في الجنة أحسن منها ولا أبيض ورقاً ولا أطيب ثمرة، فتناولت ثمرة من ثمرتها فأكلتها صارت نطفة في صلبي، فلما هبطت إلى الأرض واقعت «خديجة»، فحملت بفاطمة، فإذا اشتقت إلى ريح الجنة شممت ريح فاطمة (٢)عوالم العلوم للأبطحي. السيوط الدر المنثور في ذيل تفسير آية الإسراء .
وكما هو معروف الذرية هي الإمتداد الطبيعي للإنسان في هذه الدنيا الفانية، والإنسان يسعى للحصول على الذريّة وتربيتها، بحكم الغريزة التي فطره الله عليها. كانت تطمح خديجه إلى ولد صالح من صلب محمد (صلى الله عليه وآله) ليكون ناصراً لرسالة الدين ، وحامياً لأهدافها السامية ، وحاملاً لراية الحق بعد وفاة أبيه ، ومحمد ( صلى الله عليه وآله) يعلم علم اليقين أن الموت حق ، وأن أيامه المباركة وعمره الشريف محدود في هذه الحياة الدنيا، ولا تكفي لتحقيق آماله والوصول إلى أهدافه، لينجي البشريّة التعيسة من مستنقع الضلال وبرائن الجاهلية ، فلا بد من عصبة أولي قوة وأولي بأس شديد تلي الأمر من بعده وتكون من ذريته ونسله، ولكن الأجل كان - وللاسف - يعاجل أبناء محمد ( صلى الله عليه وآله) ويوافيهم وهم صغار ، فلم يبق منهم أحداً ، وهم عبدالله ، والقاسم ، فيحزن الرسول ( صلى الله عليه وآله) وخديجة - لذلك - حزناً شديداً ، ويفرح الأعداء ويشمتون ويظنون أن نسل محمد قد انقرض فينادونه بالأبتر أحياناً. أنزل الله سبحانه سورة الكوثر( بسم الله الرحمن الرحيم - إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر) رداً على أعداء رسوله (صلى الله عليه وآله) ووفاء بوعده ، والله لا يخلف الميعاد.
وسرعان ما رزقه الله ذرية طاهرة مباركة تنتهي إليها الفضائل وتعبق بالجلال والكمال، حينما وُلدت الزهراء (عليها السلام ) ، وأشرق أفق الحياة بنور الولاية وشعاع الإمامة ، وبشِّر الرسول ( صلى الله عليه وآله) بها فغمرته السعادة والسرور .
مكانتها
فاطمة الزهراء (عليها السلام) لها مكانة عالية، وموقعية متقدمة وهي أحب الناس إلى قلب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعزهم عنده، وكان يشير في كل المحافل العلمية، وفي كل مكان إلى مكانة فاطمة الزهراء الخاصة، ويكفي أن نعلم أنها سيدة نساء العالمين على الإطلاق. قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله) : حسبك من نساء العالمين مريم بنت عمران وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد وآسية بنت مزاحم وقال (صلى الله عليه وآله) : فاطمة خير نساء أهل الجنة . وقال ( صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : يا معشر الخلائق ، غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد على الصراط . وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : يا فاطمة، إن الله ليغضب لغضبك ويرضى لرضاك. كماقال الامام الصادق عليه السلام : " وإنما سميت "فاطمة عليها السلام خلق فطموا عن معرفتها" .البحار(٣)
ولنا أن نعرف أن الزهراء (عليها السلام) هي جوهر الحقيقة أوليست هي التي قال فيها الرسول الأعظم : فاطمة روحي التي بين جنبي ؟ وهو فيه الوحي الإلهي (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) .
مكانتها في آيات الذكر الحكيم:
(۱) آية المباهلة بحق فاطمة الزهراء
كتب كبار علماء العامة والخاصة كتباً كثيرة في : فضائل ومناقب فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، منها في الآيات القرآنية التي نزلت بحقها ومن بينها آية المباهلة حيث أجمع المفسرون على أنها هي المراد من كلمة ونساءنا في تلك الآية الشريفة ، وذكروا بالإجماع ان مجيء الزهراء لوحدها للمباهلة كما لو أن المباهلة في مقام احقاق الحق أنه المباهلة : هي حين يختلف اثنان أو أكثر ويقع بينهما نزاع ولا يقبل كل منهما بالدليل والبرهان الذي يقدمه الآخر، ولكي يضعا حداً للنزاع بينهما، يقوم كل منهما بالابتهال إلى الله في ان يُبهل* المبطل منهما وبهذا يتضح الحق .
إن إشراك النبي (صلى الله عليه وآله) للحسين والحسن والزهراء وعلي (عليهما السلام) في المباهلة كان فيه حكم منها : الجزم والقطع بصدق دعواه ونبوته حيث جاء بفلذتي كبده (الحسن والحسين، وابنته الوحيدة الزهراء وقف هو بمنزلة نفسه أي الإمام علي (عليه السلام) جاء هكذا ليكون في موقع المباهلة ليقتلع الله المبطل من جذوره أي أنه اراد القول: انني على يقين بأن الحق معي والطرف الآخر على باطل، إلى الدرجة التي جئت بها معي بأحبائي للمباهلة، اما الحكمة الاخرى فهي الاعلان عن منزلة من كانوا معه أولئك الذين كانوا بمنزلة ابنائه ونسائه ونفسه، ولهم منزلة سامية عند الله؟
كما ان كلمة «ابناءنا» دللت بوضوح ان الحسن والحسين هما ابنا النبي، وانفسنا دللت على أن علياً هو نفس محمد وانهما واحد ، ونساءنا دللت للمسلمين بأن الزهراء لوحدها لها افضلية على جميع النساء، وهي وحكمة أخرى هي ان يعلم الناس باشتراكهم واتحادهم برسول الله بأن دعواه صادقة احقاق للحق وابطال للباطل ، فجاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) في صباح الرابع والعشرين من ذي الحجة سنة عشر للهجرة وقد حمل الحسين إلى صدره بينما امسك بيد الحسن ، وكان يسير خلفه فاطمة وعلي، قال لهم رسول الله : حين تسمعونني ألعن قولوا آمين حين رأى اسقف نجران النبي (ص) ومن معه على تلك الهيئة قال : اعلموا ايها النصارى : ان الوجوه التي أراها لو اقسمت على الله ان يزيل الجبال لأزالها ، فإياكم ومباهلتهم فإنكم ستهلكون حتماً ولا يبقى بعدها نصراني على الأرض، ثم انهم قالوا للنبي : نرى ان لا نتباهل معك، وتظل انت على دينك ونبقى نحن على ديننا المسلمين في السراء والضراء ، فلم يوافقوا. قال : هل تريدون الحرب ؟ قالوا : لا طاقة لنا بقتال المسلمين الا إننا نصالحك ان لا تقاتلنا ولا تخيفنا وان لا نعود عن ديننا وان نعطي الفي حُلّة ثمن كل حلة اربعون درهما فصالحهم على ذلك. (٤)
هذه هي مكانة الزهراء وسر مولدها، فكانت السر المرتبط بين النبوة والإمامة وشاء الله أن يكون نسلها للأئمة الاثنى عشر هم الوسيلة للحفاظ على الدين كما أراد الرسول (صلى الله عليه وآله) وكما تمنت خديجة الكبرى (سلام الله عليها).
---------------------------------------------
اضافةتعليق
التعليقات