في مثل هذا اليوم من تاريخنا الاسلامي الحافل بالبطولات العظيمة للمؤمنين الأوائل ممن كانوا حول الرسول في بداية دعوته.. رجال ارتحلوا بعد أن وضعوا بصمتهم في سجل الرسالة.. بعد أن صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه..
هو الحمزة عم النبي وأسد الله وأسد رسوله.. عنده تخرس البطولات فلن تجد لها لسانا ينطق ولا يدا تُمد.. فالحمزة رضوان الله عليه اجتمعت فيه خصلتان: الشجاعة والقوة.. وقلة من الناس من تجتمع فيه هاتين الخصلتين.
أردت أن استنطق التاريخ ليخبرني عن هذا الهمام الشجاع، لكن التأريخ كعادته كليل وعاجز عن تبيان فضائله، مجحف بحق أولئك الذين قدموا أروع الأمثلة في البطولة والتفاني في سبيل الدعوة إلى الله.
ولو انتهى الأمر إلى هنا لهان الأمر ولقبلناه مرغمين.. لكن الأمر قد تعداه إلى التجني وافتعال أحداث لم تقع سوى في مخيلة رواته ممن أعلنوا افلاسهم وسوّدوا وجه التاريخ بمروياتهم البعيدة عن الحق والحقيقة.
تارة قالوا أنه شارب للخمر _ والعياذ بالله _ وتارة أخرى شككوا في اسلامه وايمانه وأنه لم يدخل الاسلام عن رضا وقناعة وإنما نتيجة العصبية الجاهلية.
فكيف نصدق رواية التأريخ الجاني بأن حمزة شارب للخمر ومدمنها؟
إن من يعرف سمو النفس عند حمزة رضوان الله عليه ويطلع على أنفته وعزته وسجاياه الكثيرة لن يصدق هذه الترهات بحق أسد الله الغالب.. فهو قبل أن يدخل في دين ابن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله كان ابراهيميا موحّدا، لم يكن من أولئك الذين ينغمسون في شرب الخمر، أو يعاقرونها وهي كما نعرف تُذهب بالحياء والمرؤة معا..
وهذا يدلل على أن القضية المذكورة مكذوبة وضعها الحاقدون على البيت الهاشمي، والذين لم تكن لهم من غاية إلا الإساءة لأفراد ذلك البيت، وكل من ينتسب إليهم ولو بالكذب والافتراء والدجل والتزوير.
ولو كان شاربا للخمر هل كان رسوله الله صلى الله عليه وآله يصفه بأنه أحب الأعمام إلى قلبه؟!. فلقد جاء عن الامام الصادق عليه السلام أن رسول الله (ص) قال: أحب إخواني إليّ علي ابن ابي طالب، وأحب أعمامي إليّ حمزة.. فهل كان رسول الله ينطلق في حديثه عن عاطفة ياترى؟ ما لكم كيف تحكمون؟
بل إنّ رسول الله آثره بمكانة عظيمة حين اختصه بتسميته بسيد الشهداء، بل وأمر بزيارة قبره الشريف بزيارة خاصة، وزيارة شهداء أحد زيارة عامة.. أوليس في هذا التوجه النبوي دلائل قاطعة على عظمة عمه الحمزة ومقامه الرفيع عند الله سبحانه؟
أما التجني الثاني بأنه ما دخل حمزة دين الاسلام إلا عن عصبية جاهلية.. فهذا القول متهافت وساقط كسابقه..(إننا نعتقد أن الأصل في بيت سيدنا عبد المطلب(ع) كان الطهارة والنقاء والالتزام بدين إبراهيم الخليل(ع)، لم يشذ من ذلك إلا أبو لهب، ما يعني أن الحمزة (ع) كان من الموحدين، ولم يكن من المشركين، فإنه لا يوجد ما يثبت هذه الدعوى، فإن من المحتمل جداً أن الحمزة (ع) كان مؤمناً برسالة النبي(ص)، شأنه شأن أبي طالب (ع)، لكنه كان يكتم إيمانه لبعض الحيثيات، ولمّا حانت الفرصة المناسبة أعلن عن ذلك، وأظهره على الملأ.
إن التأمل في مواقفه التي كانت منه بعد الإسلام حتى يوم شهادته، لا تنسجم أبداً مع شخص دخل في هذا الدين الجديد عن حمية وعصبية، حتى أنه قبل أن يخلف الدنيا بكل ما فيها من ملذات وزخرف ، ويهاجر مع رسول الله (ص) إلى المدينة لعيش الغربة والفقر وفراق الأهل والأحبة. فإن التأمل في هذا وأضرابه يمنع من أن يكون دخوله الإسلام عن غير قناعة ومعرفة وايمان).
فمتى يرعوي تأريخنا عن بعض غيّه واجحافه بحق تلك الثلة المؤمنة؟ ومتى يقف عند حدود الحقيقة فينطق صوابا ويقول حقا؟
عجبا لتأريخ حافل بالمتناقضات يرفع وضيعا ويضع شريفا دون وجه حق!!
إلا أن الحقيقة ستظهر في آخر المطاف، حينها لا ينفع تزييف راوي، أو تحريف هاوي.. ولن يصح إلا الصحيح.
فسلام على أولئك الذين حملوا لواء الجهاد، واستبسلوا وسطّروا أروع الصفحات في البطولة والفداء.. وسلام على حمزة في العالمين.
اضافةتعليق
التعليقات