في بيت المأساة، محور يجوب الواقعة ف تلتمس الدمعة اهتماما، مختلفا .وتتقمص الفكرة، جلبابا يشابه عمقها، وهمسها، وايقاع شدتها.. ولعل سلسلة القيد تحكي لنا ماجرى على وجعها ورؤية ألمها في ذات الله.
في رواء المصاب عند عتبة بيت السجود، يرتل الخضوع قبولا ورضا وإيمانا لصاحب السجدة الطويلة، الإمام موسى بن جعفر راهب آل البيت وربان سفينة النجاة .
احساسا موسوم بالتقصير تجاه من أعطى وروى المبدأ بكل ما يملك لإحياء النبض جسد الإسلام وتجديد العهد والميثاق عند ذي العرش.
الامام الكاظم سلام الله عليه، قضية لا تقل أهمية من حيث وجوب الكلمة، وذكر الفريضة، وإمكان القدرة فيها لعموم المسلمين والشيعة على الوجه الأخص.
ربما اختلف الأسلوب في إيصال مفهوم ولايتهم وإكمال حقهم سنة وكتابا، بل تعين على الوتد هنا تنوع العطاء وجميل الأثر في اكتساب الثواب تبعا لنوع الظرف .
في زمن حكمت فيه السلاسل وحر السيف، أن تكتب لنفسها تأريخا موجعا موجها لأصحاب الحق، كان ثقله أن يتحمله ذوي المبدأ بكل ثقة وعزيمة وإصرار، ف تكالبت عليهم قلوب مرجفة لاترحم الرقاب، وتقتل جملة الأنفس الزاكية وتقطع عنهم ضوء التمهيد.
في عمر التليد، ورقيم المواجهة، فتح الكهف بابه لاستقطاب حد السيف وأزيز الإضطهاد، ليعرف العالم الحاضر واللاحق، أن الرسالة ممهورة بالرفعة وإن العنف وسوء الطالع من الظالمين، ماهو إلا ثوب من سرابيل جهنم تقلدوه شخوص الأعداء.
حقا إنه لحظ سيئ لهم لتنال أرواحهم سوء العاقبة. نقاط لايتوقف مداها، ولا ينتهي صداها لإيضاح السبب والمسبب في افتعال ذاك الطيف الخبيث الذي هو جار ومجرور لما آلت له يد الغدر لبيت النور وأهله من آل علي عليهم السلام.
الامام الكاظم.. قيد وشرط
تكلمت وثيقة عهد النبوة، عند الأزل بضرورة الطاعة والتزام الحرف عمقا وتكليفا لبيت الإمامة بعد إيفاد العصر كتابها الإمام المفترض ..
ف كانت بيعة الحاضر أن يكون السر متقن التأديب وجمال الأثر فيه وأن تصافح اليد قرآن فجرها المتمثل ب إمام زمانها.. ف تلبدت الخصوم عند أعتاب بيت النبوة وتكاثرت شكوى الظن وارتبكت نفوس ف اعتقل الحق وكان مسكنه بيت الحديد عند سلسلة الثقل وظلم العباد .
ولكن لم تخلو ساحة اليقين من اتباع الحق وحب الوصاية أن تراود عتبة النور ومعقل الكلمة سليلة أفواه لم تنطق إلا حقا، ولم تشر إلا قوة واستدلالا.
قال إمامنا الكاظم سلام الله عليه: (قل الحق وإن كان فيه هلاكك فإن فيه نجاتك ودع الباطل وإن كان فيه نجاتك فإن فيه هلاكك).
فلم يكن قيد الحديد، وسجن الألم لهم إلا منطلقا ذكيا لتعانق الآية أبجدية الإنطلاق، وتربية الغد، تحت راية الولاية المطلقة.. الإمام الكاظم قيدهم بشرطه وكتب على باب سجنه، هنا باب الحوائج.
كانت حاجاتهم مؤقتة، بل متقيدة عسى ولعل أن تقتل نفس الترتيل وتكبح نورها.. ولكن هيهات إلا أن يتم الله نوره ولو كره الماكرون.
الإمام الكاظم.. ورسالة السجن
يتعين على السؤال، أن يتلقى الإجابة المتمكنة، وأن ترتمي الفكرة أحضان الأكيد، وتتغذى من شهد الجواب، الامام سلام الله عليه، مع اصرار الغضب وضراوة الحقد العباسي عليه.. إلا أن يده الكريمة تطاولت غيضهم وأجهدتهم، وكسرت قيد السجن وتواصلت كما يتعين أن يكون مع ثلة مخلصية ورواد حديثه.
علما، لم يكن من السهل أبدا أن تكون خصومه وسياسة غدرهم أن تدع الإمام سلام الله عليه وهي تعلم جيدا أن القوة في ذات الإمام قد تمكنت في رد سؤالهم العقيم.
لذا سعت سلطات الغضب العباسية، للوقوف أمام الصوت الصارم وقوة النفوذ التي تقلدتها جبهة التحدي للإمام الكاظم ومحبيه، وحاولت معارضة الإمام وبأساليب متعددة.. منها فرض قيود اجتماعية وإرضاء بعض خصومه وكفاية بعض من أفراد البيت العلوي بغرض الوشاية عليه.. فقد ذكر في أصول الكافي وفي الإرشاد، الطوسي حادثة، كان للوشاة دورٌ سلبي ضد الإمام ((عليه السلام)) فلقد تحرك يحيى بن خالد قبل ذلك ليهيئ مقدمات الاعتقال للإمام ((عليه السلام)) فأغرى ابن أخ الإمام محمّد بن إسماعيل أو عليّ بن إسماعيل لغرض الوشاية بالإمام.
عن عليّ بن جعفر بن محمّد ((عليه السلام)) قال: «جاءني محمّد بن إسماعيل بن جعفر يسألني أن أسأل أبا الحسن موسى ((عليه السلام)) أن يأذن له في الخروج إلى العراق وأن يرضى عنه، ويوصيه بوصية.
قال: فتنحيت حتى دخل المتوضأ وخرج وهو وقت يتهيأ لي أن أخلو به وأكلّمه.
قال: فلما خرج قلت له: إنّ ابن أخيك محمّد بن إسماعيل سألك أن تأذن له بالخروج إلى العراق، وأن توصيه، فأذن له ((عليه السلام)).
فلمّا رجع إلى مجلسه قام محمّد بن إسماعيل وقال: يا عمّ أحبّ أن توصيني.
فقال ((عليه السلام)): أوصيك أن تتقي الله في دمي.
السجن، رسالة تمهد للدعوة، وترتقي بأهدافها مع وضوح المبتغى المطلوب، وهذا هو المبدأ أن يتخطى ب مسؤوليته اللامحدود، لايجاز الأدب وخلق الدين، وهو من جملة الصدامات التي سعى بها جسد الدين مع من هم ألد أعداء أهل البيت .
حتى ظن المعادي منهم، هارون الرشيد، أن السجن قيد يكبل ب حيل قانونه وأسلوبه لقمع الشيعة آنذاك والإمام الكاظم تحديدا، لذا يتصور الظالم، هو استأناسه بزج من يعارض خطته ومصدر تهديد لوجوده في باحة مقطورته المظلمة القاسية وبإشرافه الخاص، حتى كاد أسلوبا متعدد اللمسات إلى يومنا هذا .
في عيون أخبار الرضا، وعنه في بحار الانوار الجزء ٤٨قال :
كان هارون لعنة الله عليه يتوجّس في نفسه الخوف من الإمام ((عليه السلام)) فلم يثق بالعيون التي وضعها عليه في سجنه فكان يراقبه ويتطلّع على شؤونه خوفاً من أن يتصل به أحداً ويكون الفضل قد رفّه عليه، فأطلّ من أعلى القصر على السجن فرأى ثوباً مطروحاً في مكان خاص لم يتغيّر عن موضعه.
فقال للفضل: ماذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع؟!
فقال الفضل: يا أمير المؤمنين، وما ذاك بثوب، وإنّما هو موسى بن جعفر له في كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس إلى وقت الزوال، فانبهر هارون وقال: أما إنّ هذا من رهبان بني هاشم !
والتفت إليه الربيع بعد ما سمع منه اعترافه بعبادة وزهد الإمام قائلا له:
يا أمير المؤمنين مالك قد ضيقت عليه في الحبس؟! فأجابه هارون قائلا: هيهات، لابد من ذلك .
وقد نسي هارون اللعين، مع ما فعل إلا أن الشيعة لم تكن قلة في ذلك العصر فقد اعتنق التشيع خلق كثير من رجال الدولة وقادة الجيش والكتاب.
وقد حاول هارون استفزاز النخبة من الشيعة، حين وضع الإمام على جسر الرصافة وهو ميت ينظر إليه القريب والبعيد قاصدين بذلك انتهاك حرمته عليه السلام ومن جملتها، أمر السندي جلاوزته أن ينادوا على جثمان الإمام الشريف ب نداء مهول (هذا إمام الرافضة فاعرفوه، هذا موسى بن جعفر الذي تزعم الرافضة أنه لا يموت فانظروا إليه ميتا) والصاق التهم بالشيعة ظلما وتبرر الاهانة بهم لاستفزاز العنصر الفعال فيهم والتعرف على مدى حماسهم ونشاطهم كأسلوب خبيث ليساقوا إلى سجنهم لكن هارون لم ينجح .
ف كانت الذكرى، أن يشيع إمامنا بيد أحبائه ومواليه مسموما مظلوما، مقتولا على يد الغدر هارون الرشيد وجلاوزته، فكانت يد الغيث أن تحمل نعش الطهر مناديا عليه: ألا من أراد أن يحظر جنازة الطيب بن الطيب موسى بن جعفر سلام الله عليه فليحضر فكان الحضور مهيبا، ولا صوت حينها ولا قول إلا صوت محمد وآل محمد وقولهم، ف سلام عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
اضافةتعليق
التعليقات