يتم في معظم أجزاء وأنسجة الجسم البشري تجدد الخلايا الحية، حيث تموت بعض الخلايا ويتم استعواضها بتكوين خلايا جديدة حتى يستطيع النسيج أو العضو أن يقوم بوظائفه الحيوية. وعند تعرض الأنسجة والأعضاء لجرعات عالية من الإشعاع يموت عدد كبير من خلاياه، ولا تستطيع عملية إعادة بناء الخلايا الجديدة استعواض العدد الكبير المفقود من خلاياه، وبالتالي يحدث نقص كبير في خلايا العضو أوالنسيج، الأمر الذي يؤدي إلى فقد العضو أو النسيج لوظائفه. فإذا كان النسيج أو العضو من الأجزاء الحيوية لاستمرار حياة الكائن يكون الموت هو النتيجة الحتمية لهذا الكائن.
عموما، تنتج التأثيرات الحتمية للإشعاع نتيجة استنزاف عدد كبير من خلايا الأعضاء أو الأنسجة ويكون احتمال حدوث هذه التأثيرات معدوما عند الجرعات المنخفضة، إلا أنها تحدث حتما عندما تصل جرعة التعرض إلى حد أو عتبة معين ويمكن القول أن التأثيرات الحتمية لا تحدث إلا بعد تجاوز الحد المحدد لكل تأثير، ولا يحدث ذلك إلا عند جرعات عالية جداً وتؤدي الجرعات الإشعاعية في هذه المنطقة إلى استنزاف وحشي لخلايا الجدار المبطن للأمعاء، حيث يحدث فيه تلف شامل فتهاجمه البكتريا بوحشية.
لذلك، تعرف هذه المنطقة من الجرعات بمنطقة الوفاة الناتجة عن الالتهابات المعوية ومن أمثلة التأثيرات الحتمية المرض المعروف باسم المرض الإشعاعي، وإعتام عدسة العين وهو المرض المعروف باسم المياه البيضاء أو الكتراكت، والإريثيما أو احمرار الجلد، وغيرها.
تلف الجهاز المركزي العصبي
عموما، لا توجد بيانات كافية عن الإنسان حول حد الجرعة أو العتبة التي يبدأ عندها تلف الجهاز العصبي المركزي، إلا أن النتائج التجريبية على الحيوانات أثبت ظهور أعراض تدل على حدوث بعض التلف في الجهاز العصبي المركزي، وذلك عند جرعات عالية جدا (عدة عشرات من الغراي) لذلك، تسمى هذه المنطقة من الجرعات التي تزيد على حوالي 30 غراي بمنطقة الجهاز العصبي المركزي ومع ذلك فقد ثبت أن الوفاة لا تتم عن هذه الجرعات في الحال، حتى بالنسبة للحيوانات التي تعرضت لما يزيد على 500 غراي.
الإريثيما
هناك تأثير آخر يظهر بمجرد التعرض للجرعات العالية نسبيا. ويعرف هذا التأثير باسم الإريثيما، وهو عبارة عن احمرار الجلد والجلدمعرض للتعرض للإشعاعات أكثر من أي نسيج آخر في الجسم خصوصا بالنسبة للإشعاعات السينية ذات الطاقة المنخفضة وللإلكترونات(لأن قدرتها على الاختراق صغيرة) لذلك، فإن التعرض لجرعة مقدارها حوالي 3 غرام من الأشعة السينية ذات الطاقة المنخفضة يؤدي إلى إحداث مرض الإريثيما وعند زيادة الجرعة يمكن أن تظهر أعراض أخرى كالحروق والتقيحات وغيرها.
وتجدر الإشارة إلى أن المناسيب الإشعاعية الناتجة عن محطات الطاقة النووية أو عن وسائل التطبيقات الصناعية أو الطبية للإشعاعات التي يتعرض لها العاملون في الظروف العادية وليس في ظروف الحوادث تكون عادة أقل بكثير من تلك المناسيب الإشعاعية الخطرة طالما تم الالتزام بمتطلبات الوقاية من الإشعاع ولكن يمكن الحصول على الجرعة الخطرة نتيجة وقوع حادث إشعاعي أو نووي نتيجة سفور المصدر المشع مثلا خارج درعه أو دخول صالة مفاعل مثلا بينما تكون إحدى قنواته مفتوحة وغير ذلك كثير ومع ذلك فإن الجرعات الصغيرة التي يحصل عليها العاملون أثناء عمليات التشغيل العادي يمكن أن تؤدي إلى تأثيرات ضارة، ولكن على المدى البعيد، وهذا ما يعرف بالتأثيرات المتأخرة.
التأثيرات المتأخرة
أصبح الآن معلوما أن فنيي الأشعة أو المرضى الذين تم علاجهم أو تشخيص أمراضهم بجرعات إشعاعية عالية نسبيا معرضون للإصابة ببعض أنواع السرطان، أكثر من غيرهم ممن لم يتعرض للإشعاعات. ولقد أدت الدراسات الحديثة على المجموعات البشرية التي تعرضت للإشعاعات الناتجة عن القنابل الذرية أو عن الحوادث النووية مثل حادث تشرنوبل، أو المرضى الذين تم علاجهم بالإشعاعات النووية، أوعمال مناجم اليورانيوم، أو العاملين بالإشعاعات المؤينة كأجهزة الأشعة السينية والمعجلات المفاعلات النووية، إلى تأكيد قدرة الإشعاعات على تكوين السرطانات المتنوعة.
والسرطان هو عبارة عن تضاعف تكاثر الخلايا في العضو المعين بمعدل فوق المعدل الطبيعي ويعتقد البعض أنه ناتج عن تلف جهاز التحكمفي الخلية، مما يؤدي إلى انقسامها بمعدل أسرع من المعدل الطبيعي. وتحمل الخلايا الوليدة الصفة نفسها فتنقسم بدورها بالمعدل السريعنفسه، مما يؤدي إلى تكوين نسيج سرطاني يضر بالأنسجة العادية في العضو المعين.
وتقدير الفترة اللازمة لظهور الإصابة بالسرطان، بسبب التعرض للإشعاعات، عملية معقدة للغاية نظرا لعدم إمكانية فصل السرطان الناتج عن الإشعاعات المؤينة عن مثيله الناتج ذاتيا أو عن أسباب أخرى كالتعرض للمواد المسرطنة، على سبيل المثال. ولكن أظهرت بعض الإحصائيات أن السرطانات المختلفة قد تظهر خلال مدة تتراوح بين 5، 30 سنة من وقت التعرض للإشعاعات.
ونظرا للصعوبات المختلفة المتعلقة بمدى الإصابة وزمن ظهورها فقد اتفق عالميا من وجهة نظر الوقاية الإشعاعية على أن أي جرعة من الإشعاعات - مهما قلت – تحمل معها احتمالا بالإصابة بهذا المرض.
ولقد أمكن تقدير الإصابة بالمرض بالنسبة للمناسيب الإشعاعية العالية نسبيا فقد تم عمل دراسات إحصائية دقيقة على المجموعات البشرية التي تتعرض لجرعات عالية من الإشعاعات كالأطباء وفنيي الأشعة وعمال مناجم اليورانيوم. إلا أن الدراسة الأكثر دقة هي تلك الدراسة التي أجريت على ضحايا التفجيرين النوويين على كل من هيروشيما 1945 وناجازاكي في اليابان فقد تم دراسة العلاقة بين الجرعة الإشعاعية وبين نسبة الإصابة بالسرطانات المختلفة، وذلك عند الجرعات العالية. أما بالنسبة للجرعات المنخفضة فلا توجد بيانات إحصائية كافية عن الإنسان.
اضافةتعليق
التعليقات