بين الولادة والموت هناك خط قصير يسير فيه الانسان شاكرا أو كفورا حسب ما يسعى إليه فهناك من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذره شره يره، مقياس سماوي غير قابل للمناقشة أو النكران هذه طبيعة الدنيا وقابلية العمل مرهونة بسعي الانسان .
نقف في محطات حياة البعض من الناس تشعر انهم ذو حظ سعيد ، كما يقال البعض او انهم تميزوا عن غيرهم وقد يطال بالبعض ان يحسد فلان لانه نال مرتبة عالية أو حصل على مكافأة قديرة لا يفكر بالجهد وقدر السعي لهذه المرحلة بينما يفكر في النتيجة ولماذا هذا الشخص والكثير من التساؤلات العقلية التي نقف عندها .
والدليل على هذا الكلام الجنة والنار الحسنة والسيئة ..
وخير مثال يضرب لسعي الانسان في نيال الجائزة التقدير الالهي الذي هو مرتبط بولاية أهل البيت (عليهم السلام) احياء مجالسهم موالاتهم والبراءة من أعدائهم هو السيد الراحل محمد باقر الفالي (رضوان الله عليه) ، حيث لابد من معرفة مدى السعي والتحقيق من الهدف كما تعلم عزيزي القارئ ان مجرد التفكير في ان يطوف جسدك حول قبر سيد الشهداء لهو شرف عظيم فكيف مجاورة الجسد لهذا المقام العظيم ، و الفاتحة بين أحضان الحرمين اي سعي هذا لينال الانسان هذه المنزلة !.
نعرج على سيرته الذاتية كما نقلها السيد عبد العظيم المهتدي :
ولد في يوم مولد الإمام الحسين يوم (الثالث من شهر شعبان المعظم من عام ١٣٧٦ هـ) (23 /3/ 1957م كربلاء ، في محلّة المقلع في محلّة العباسيّة الشرقيّة.
نشأته في أسرةٍ كريمةٍ منغرسةٍ في حُبّ الإمام الحسين (عليه السلام) هائمةٍ بشعائره ومتفانيةٍ في اهل البيت .
ثم تأسّستْ شخصيّتُه العلميّة أكاديميًّا وحوزويًّا حسب التالي:
_ أكاديميًّا / أنهى مراحل الدراسة الإبتدائيّة والمتوسّطة والثانويّة في مدينة كربلاء حتى شملتْ أسرتَه حملاتُ النفي والإبعاد للعوائل الكربلائية فأكمل مرحلة الثانويّة في "مدرسة حكيم نظامي" في مدينة قم المقدّسة، مازال يسعى نحو الهدف انتسب سماحتُه إلى جامعة طهران ودرس في كلّية الحقوق والعلوم السياسيّة حتى حصل على شهادة الليسانس في العلوم السياسيّة كما حصل في نفس الوقت على شهادة الليسانس في القضاء.
تلقّى دروسَه في علوم أهل البيت (عليهم السلام) في المدرسة الهنديّة على يد سماحة السيّد علي الصدر ثم انتقل إلى المدرسة الحسينيّة وتتلمذ على أيدي كلٍّ من الشيخ عبد الرحيم القمّي والشيخ عبد الرضا الصافي والسيّد باقر القزويني والشيخ غلام رضا الوفائي..
ودرس الفلسفة الإسلاميّة عند الشيخ يحيى الأنصاري والسيّد رضا الصدر (شقيق الإمام موسى الصدر)..
ثم انتقل للدراسات العليا في المرحلة التي تسمّى ببحث الخارج.. وفيها درس سماحته علم الفقه عند المرجع الكبير الشيخ الوحيد الخراساني (دام ظلّه) والمرجع الراحل السيّد محمد الشيرازي (قدّس سرّه)..
وفي علم الأصول حضر عند المرجع الديني سماحة السيّد صادق الشيرازي (دام ظلّه) حتى أصبح موضع الثقة عند الكثير من مراجع الدّين الذين زوّدوه بوكالاتهم في الأمور الحِسْبيّة وإجازاتهم له في الرواية..
وهذه التوثيقات المرجعيّة تشهد بفضله العلمي وجدارته بتمثيلهم في القضايا الدينيّة والأمور الاجتماعيّة. ودرس في مدرسة الإمام الصادق (عليه السلام) الإبتدائيّة بكربلاء.
الخدمة المنبرية :
وهو في الثانية عشرة من صباه أنيطتْ إليه مهمّة الخطابة ضمن فعّاليات النشاط الدّيني للكشّافة.. فوُضِعَ له كُرسيّ في وسط سوق العرب واعتلاه خطيبًا متمثِّلًا.
يتوج بالعمامة :
في سنة (١٣٨٩ هـ - 1969 م) تعمّم في كربلاء المقدّسة على يد المرجع الديني السيّد محمد الشيرازي (قدّس سرّه) فصار مُزيّنا بزيّ أهل العلم في الحوزة.. وارتقى أوّل منبر وهو بعمامته في بيت والده..
وبدأ يكبر مع المجالس وارتقى المنابر الخطابيّة في سوريا ولبنان ومسقط والكويت والبحرين ولندن والدنمارك وغيرها.. كما عُقدتْ له مجالس حسينيّة في مكّة والمدينة في مواسم الحج فارتقى فيها منابر الوعظ الديني والنعي الحسيني.
مساهمات في الأعمال الخيريّة:
وكان يخفيها تَجنُّبًا للرّياء.. في لقائي به (رحمه الله) قبل وفاته بـ (٢٢) يومًا كان يتكلّم معي في معرض كلامه عن الغلاء الفاحش في أسعار البضائع في إيران أنّه اشترى عددًا كبيرًا من البطّانيات وغيرها من احتياجات العوائل الفقيرة وللشيعة المظلومين المهاجرين من أفغانستان وذكر مبلغًا من المال الذي دفعه ويقول بهذا المبلغ كنّا نشتري أضعاف هذا العدد من البطّانيات وغيرها، واليوم صرنا نخجل من المحتاجين بهذا القليل.
ومن ذلك دعمُه المالي لطباعة الكتب الجيّدة في العقيدة والأخلاق وتوزيعها في سبيل الله وخاصةً بين الفقراء والأيتام في مختلف أنحاء العالم وكان مساهمًا بما يحصل عليه من أهل الخير من مال في بناء المشاريع الدينيّة وخاصةً الحسينيّات.
الصلاة رفيقة دربه
حول اهتمامه (رحمه الله) بصلاة الليلK ذكر لي نجلُه المبجّل فضيلة السيّد حسن الفالي (دامت بركاته) أنّه منذ كان في المدرسة الإبتدائيّة قبل أكثر من خمسة وعشرين عامًا في الكويت وهو يرى والده يقوم في الثلث الأخير من الليل - أي قبل أذان الصبح بساعة تقريبًا - ويتهجّد بصلاة الليل ويتعبّد بين يدي الله بالدعاء والمناجاة. وفي أيام مرضه الأخير كان يصلّيها من جلوس لأنّه كان يتعب.. ومن شدّة حرصه على أن لا تفوته صلاة الليل كان كلّما يغفو وينام قليلًا يجلس ويسأل أخي السيّد مهدي الذي كان عنده: *هل حان وقت الصلاة.. هل حان وقت الصلاة ؟
وفي الفترة الأخيرة بسبب مرضه كان اهتمامه بصلاته أكثر.. ولأنّه لم يكن يقدر على الحركة للذهاب إلى الوضوء كان يطلب تراب التيمّم ليصلّي به.. هكذا كانت الصلاةُ هاجسَه الأهم.
وفي ليلة وفاته كان من بعد صلاة المغرب والعشاء يكرّر التشهّد.. نسمعه يقول أشْهَدُ.. ثم يتمتم ولا نسمعه بقيّة كلمات التشهّد لشدّة ضعفه.. ثم يعيد قوله أشْهَدُ ويحرّك لسانه مُتمتِمًا...
هكذا حتى نام سُوَيْعة وجلس وهو يذكر الله.. ثم نام سُوَيْعة وجلس الساعة الثانية بعد منتصف الليل كما أخبرني أخي السيّد مهدي الذي كان معه في تلك الليلة أيضًا.. فسأله: هل حان وقت الصلاة؟ فقال له السيّد الأخ: لا يا أبي.. نُمْ وسوف أنبّهك وقت الصلاة.. لا تقلق.
يقول السيّد مهدي: لقد عرفتُ مِن حاله في هذه الليلة أنّ صحتَه بدأتْ في العدّ التنازلي وكنّا قد حجزنا للسفر إلى كربلاء طلبًا لشفائه من أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) فقد أخذ من بعد الساعة الثانية من منتصف تلك الليلة يقول: *إلهي أعِنّي.. إلهي أعِنّي...* ثم قال: *يا علي يا علي...
وعند الساعة الثانية وعشرين دقيقة قال: يا حسين... وبعدها بدقيقة فارق الحياة.
فكتب لي أخي في الساعة الثانية وثلاثين دقيقة وهذا هو وقت قيامه لصلاة الليل: لقد ذهب والدُنا إلى الحسين بنفسه...
بعد جروح الجسد لابد من رحلة شفاء تطيب به النفس فكانت تربة كربلاء ضمادة هذه الاوجاع لتصبح روح وريحان .
فالإنسان الذي يبلغ هذا المستوى العالي في تميّزه في سعيه وتحقيق اهدافه يستحق هذا التقدير والموقف كما شاهدناه فلا يمكن تحقيق هذا التميُّز بلا تعب في التأسيس او السعي نحو المطلوب وهو رضا الله ورضا سيد الشهداء فقد حقا كما ذكر: ما مات من خدم سيد الشهداء.
اضافةتعليق
التعليقات