يعيش العالم اليوم موجة من الاضطرابات الفكرية التي اكتسحت الساحة بصورة واسعة، فتجد على أثرها تقرحات عميقة للمفهوم الديني الصحيح في المجتمع نتيجةً لظهور حركات جديدة تدعو الى طمس الهوية الإسلامية في العالم.
فعلى أثر ذلك نشاهد توسعة الأفكار الالحادية في المجتمع والتركيز على نخر المفهوم العقائدي من الفطرة وحتى العقل، طبعا هذا وناهيك عن الأفكار الأخرى التي تدعو الى عبادة الشيطان كالماسونية ومثيلاتها.
وتبقى المسؤولية الكبرى على المبلغين في عرض الدين الإسلامي بصورته الحقيقية للعالم أجمع، من حيث الاخلاق والإنسانية والكرامة... الخ.
ومع كل التطورات التي يشهدها العالم من الانفتاح العلمي والتكنولوجي نستطيع ان نجزم بأن الناس تحتاج الى طرق جديدة في عرض المفهوم الديني، لأن السبل القديمة ما عادت تنفع مقارنة بما توصّله العالم من تقدم، اذ ان عرض الأفكار تغيرت مقارنة بما سبق.
وفي كل الأحوال لا يمكن الإنكار بأن مستوى التفكير عند الناس كان متدنياً، وقلّما كانت تثار عند الناس أسئلة وشبهات حول قضية معينة، فغالبية الناس كانت تتبع الفطرة، اما اليوم فقد ازدادت مساحة الأسئلة، وهذا الامر طبيعي جداً مقارنة بارتقاء الفكر وزيادة التطلع العلمي والثقافي.
وفي النهاية يجب أن تزول هذه الشكوك من عقول الناس، وتحصل جميع الأسئلة على إجابات منطقية وعقلانية تناسب مستواهم الفكري، اذ ان الاستفهامات هذه بنفسها تخلق مناخاً مناسباً ليتعرفوا على حقائق الإسلام الجليلة التي وضعت لإنقاذ البشرية من الضلال والعنف، لأن اقناع الانسان المتعلم أسهل بكثير من اقناع انسان أمي.
فما يترتب اليوم على المبلغين هو إيجاد أسلوب جديد ومعاصر يتلاءم مع التطورات الحاصلة، والقيام بإصلاح شامل في عرض المفاهيم الإسلامية وتقديمها للناس بالصورة التي تناسب مستواهم الفكري والثقافي وحتى العلمي.
فالنقاط المهمة التي يتوجب على كل مبلغ معرفتها هو لغة العصر، وافكاره ومنطقه، بالإضافة الى معرفة احتياجاته، واستخدامها لصالح الدين الاسلامي في هداية الناس وقيادتهم نحو الخير والصلاح.
فكل جيل من البديهي ان يحوي ثغرات معينة وهذا بالتالي ما يترتب على المبلغ من دراسة تلك الثغرات والسعي في معالجتها وفق القواعد الإسلامية التي وضعت حلاً لكل مشكلة من مشاكل الحياة، فالإنسان بطبيعته يحتاج الى حلول تنقذه من بحر المشاكل، وعندما يجد ديناً يقدم له الحلول على اطباق من الذهب ويسعى الى خلق جو مثالي له ولعائلته، يضمن من خلاله كرامته ونزعته الانسانية بلا شك سينجذب اليه.
ولكن تبقى النقطة المهمة عند المبلغ نفسه في كيفية عرض الدين الإسلامي الحنيف، وإيصال تفاصيله واسسه القويمة الى الناس بطريقة مختلفة عن سابقتها، وتقديمها بالطريقة التي يلبى من خلالها احتياجات البشرية في الوقت الحالي.
فالدين بالنهاية هو أسلوب حياة وضع للبشرية حتى تسير حياتهم وفق نظام انساني دقيق، وجيل اليوم مقارنة بالأجيال السابقة يحمل أفكارا ومشاعرا تختلف عن سابقتها، وفي المقابل لديه سلبيات وانحرافات كبيرة، مالم يتعلم معالجة تلك الثغرات الصغيرة في أفكاره ومشاعره لا يمكن ردع الانحراف الأكبر وتجاوزه وتوجيه الجيل الحاضر الى الطريق السليم.
فالتبليغ بحد ذاته يعتبر فناً، ويحتاج الى أدوات العرض والقدرة على الحوار والاقناع، اذ ان المعلومات الدينية الخام ليست كافية للشخص المبلغ الذي يكون في تماس مباشر مع العوام من الناس، بل ان هنالك صفات مهمة ومميزة يجب ان تتوفر في شخصيته من الذكاء اللغوي والثقة بالنفس والسرعة البديهية... الخ.
بعض الأفكار العصرية للتبليغ:
١-إقامة المخيمات الكشفية للشابات والشباب، وعرض المفاهيم الدينية بصورة عملية على ارض الواقع، وتبيان الاهمية التي على أساسها وضع الدين، ودراسة الطبيعة وماهية الوجود سواء من الناحية العلمية او العملية.
٢- من الجيد لو استقبلت المدرسة الجهات التبليغية، واقيمت النزهات المدرسية بالتعاون مع المراكز المختصة بالتبليغ الديني العصري والتي لا تكتفي بظاهر الامر فقط من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بل تدرس الحالة النفسية للشابات والشباب، لتتمكن من احتواءهم وتسعى دائماً لخلق لغة مشتركة بين المبلغ والشاب، والتأكيد على ان الدين عزلة عن الحرام وليس عزلة عن الحياة.
٣- التأكيد على الجانب التنموي والنفسي، وتقديم الدورات التنموية بطريقة عصرية وجذابة، وذلك من خلال بلورة الأفكار الخام من النهج الإسلامي وروايات اهل البيت وتقديمها الى المتلقي بصورة عملية وجذابة.
٤- تخصيص مكاتب استشارية لعلاج المشاكل النفسية من قبل الخبراء في هذا المجال، فمن المخزي جدا ان نأخذ من الغرب النصائح النفسية والعلوم الانسانية والدين الإسلامي يقدم الحلول لكل مشكلة من مشاكل الحياة النفسية وحتى الجسدية.
٥- ربط المفاهيم الإسلامية بالواقع العملي، من المعروف ان الانسان يميل الى القضايا الواقعية، فمن الجيد لو ربطنا تفاصيل الدين بالواقع العملي، وتقديم الأمثلة الحية التي تتناسب مع احداث العصر، فليس من الضروري ان نأتي بأمثال الزمن الجاهلي الى الشاب الذي ترعرع في القرن الحادي والعشرين.
٦- ربط الدين بالعلوم الحياتية، فالجميع متفق بأن القرآن الكريم هو منهج علمي متكامل قدم جميع العلوم الحياتية التطبيقية بصورتها الواضحة، وتكفل أهل البيت عليهم السلام بشرحها وتفسيرها بصورة أوضح الى الناس، فالنظريات التي يتوصل اليها الخبراء والعلماء اليوم ما هي إلا تجارب مكررة عما أتى به القرآن وأكدوا عليه اهل البيت (عليهم السلام).
وموازاة بالأفكار التي طرحناها هنالك الكثير والكثير من الأساليب العصرية والأفكار الجديدة التي تناسب التطور البشري الذي نعيشه اليوم، فالمسؤولية الاولى تقع على عاتق الجهات المبلغة بتوفير أجواء خاصة تساير التطورات الحاصلة وتتعرف على طبيعة أفكار الجيل وتسعى دائما الى خلق لغة مشتركة بين رجال الدين والعوام من الناس..
اضافةتعليق
التعليقات
أستراليا2019-12-27